يَثْبُتْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَمِثْلُهُ السُّوَرُ الْمُفْتَتَحَةُ بِكَلِمَةِ طس أَوْ طسم جَمَعُوهَا عَلَى طَوَاسِينَ بِالنُّونِ تَغْلِيبًا. وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَبْيَاتًا لَمْ يُسَمِّ قَائِلَهَا:
حَلَفَتُ بِالسَّبْعِ الْأُلَى قَدْ طَوَّلَتْ ... وَبِمِئِينَ بَعْدَهَا قَدْ أُمِّئَتْ
وَبِثَمَانٍ ثُنِّيَتْ وَكُرِّرَتْ ... وَبِالطَّوَاسِينِ اللَّوَاتِي ثُلِّثَتْ
وَبِالْحَوَامِيمِ اللَّوَاتِي سُبِّعَتْ ... وَبِالْمُفَصَّلِ الَّتِي قَدْ فُصِّلَتْ
وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَالْفَرَّاءِ أَنَّ قَوْلَ الْعَامَّةِ الْحَوَامِيمَ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَتَبِعَهُمَا أَبُو مَنْصُورٍ الْجَوَالِيقِيُّ.
وَقَدْ عُدَّتْ آيُهَا أَرْبَعًا وَثَمَانِينَ فِي عَدِّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ مَكَّةَ، وَخَمْسًا وَثَمَانِينَ فِي
عَدِّ أَهْلِ الشَّامِ وَالْكُوفَةِ، وَاثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ فِي عَدِّ أَهْلِ الْبَصْرَةِ.
تَضَمَّنَتْ هَذِهِ السُّورَةُ أَغْرَاضًا مِنْ أُصُولِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْإِيمَانِ، فَابْتُدِئَتْ بِمَا يَقْتَضِي تَحَدِّي الْمُعَانِدِينَ فِي صِدْقِ الْقُرْآنِ كَمَا اقْتَضَاهُ الْحَرْفَانِ المقطّعان فِي فاتحتها كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ [1] .
وَأُجْرِيَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ صِفَاتِهِ مَا فِيهِ تَعْرِيضٌ بِدَعْوَتِهِمْ إِلَى الْإِقْلَاعِ عَمَّا هُمْ فِيهِ، فَكَانَتْ فَاتِحَة السُّورَة مِثْلَ دِيبَاجَةِ الْخُطْبَةِ مُشِيرَةً إِلَى الْغَرَضِ مِنْ تَنْزِيلِ هَذِهِ السُّورَةِ.
وَعَقَّبَ ذَلِكَ بِأَنَّ دَلَائِلَ تَنْزِيلِ هَذَا الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ بَيِّنَةٌ لَا يَجْحَدُهَا إِلَّا الْكَافِرُونَ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِهَا حَسَدًا، وَأَنَّ جِدَالَهُمْ تَشْغِيبٌ وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الْمُجَادِلِينَ فِي آيَاتِ اللَّهِ خَمْسَ مَرَّاتٍ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَتَمْثِيلُ حَالِهِمْ بِحَالِ الْأُمَمِ الَّتِي كَذَّبَتْ رُسُلَ اللَّهِ بِذِكْرِهِمْ إِجْمَالًا، ثُمَّ التَّنْبِيهُ عَلَى آثَارِ اسْتِئْصَالِهِمْ وَضَرْبُ الْمَثَلِ بِقَوْمِ فِرْعَوْنَ. وَمَوْعِظَةُ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ قَوْمَهُ بِمَوَاعِظَ تُشْبِهُ دَعْوَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ.