الرُّسُلِ وَالْمَلَائِكَةِ وَحَمْدَ اللَّهَ عَلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ مِنْ نِعْمَةٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ هُدًى وَنَصْرٍ وَفَوْزٍ بِالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ.
وَهَذِهِ الْمَقَاصِدُ الثَّلَاثَةُ هِيَ أُصُولُ كَمَالِ النُّفُوسِ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ، لِأَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا يَلِيقُ بِهِ تُنْقِذُ النَّفْسَ مِنَ الْوُقُوعِ فِي مُهَاوِي الْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الضَّلَالَةِ فَسُوءِ الْحَالَةِ. وَإِنَّمَا يَتِمُّ ذَلِكَ بِتَنْزِيهِهِ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ. فَأَشَارَ قَوْلُهُ: سُبْحانَ رَبِّكَ إِلَخْ إِلَى تَنْزِيهِهِ، وَأَشَارَ وَصْفُ رَبِّ الْعِزَّةِ إِلَى التَّوْصِيفِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، فَإِنَّ الْعِزَّةَ تَجْمَعُ الصِّفَاتِ النَّفْسِيَّةَ وَصِفَاتِ الْمَعَانِي وَالْمَعْنَوِيَّةَ لِأَنَّ الرُّبُوبِيَّةَ هِيَ كَمَالُ الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الْغَيْرِ، وَلَمَّا كَانَتِ النُّفُوسُ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ فِي مَرَاتِبِ الْكَمَالِ لَا تَسْلَمُ مِنْ نَقْصٍ أَوْ حَيْرَةٍ كَانَتْ فِي حَاجَةٍ إِلَى مُرْشِدِينَ يُبَلِّغُونَهَا مَرَاتِبَ الْكَمَالِ بِإِرْشَادِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ بِوَاسِطَةِ الرُّسُلِ إِلَى النَّاسِ وَبِوَاسِطَةِ الْمُبَلِّغِينَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَى الرُّسُلِ. وَكَانَتْ غَايَةُ ذَلِكَ هِيَ بُلُوغَ الْكَمَالِ فِي الدُّنْيَا وَالْفَوْزَ بِالنَّعِيمِ الدَّائِمِ فِي الْآخِرَةِ. وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَسْتَوْجِبُ عَلَى النَّاسِ حَمْدَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَمْدَ يَقْتَضِي اتِّصَافَ الْمَحْمُودِ بِالْفَضَائِلِ وَإِنْعَامَهُ بِالْفَوَاضِلِ وَأَعْظَمُهَا نِعْمَةُ الْهِدَايَةِ بِوَاسِطَةِ الرُّسُلِ فَهُمُ الْمُبَلِّغُونَ إِرْشَادَ اللَّهِ إِلَى الْخَلْقِ.
ورَبِّ هُنَا بِمَعْنَى: مَالِكٍ. وَمَعْنَى كَوْنِهِ تَعَالَى مَالِكَ الْعِزَّةِ: أَنَّهُ مُنْفَرد بِالْعِزَّةِ
الْحَقِيقَة وَهِيَ الْعِزَّةُ الَّتِي لَا يَشُوبُهَا افْتِقَارٌ، فَإِضَافَةُ رَبِّ إِلَى الْعِزَّةِ عَلَى مَعْنَى لَامِ الِاخْتِصَاصِ كَمَا يُقَالُ: صَاحِبُ صِدْقٍ، لِمَنِ اخْتُصَّ بِالصِّدْقِ وَكَانَ عَرِيقًا فِيهِ. وَفِي الِانْتِقَالِ مِنَ الْآيَاتِ السَّابِقَةِ إِلَى التَّسْبِيحِ وَالتَّسْلِيمِ إِيذَانٌ بِانْتِهَاءِ السُّورَةِ عَلَى طَرِيقَةِ بَرَاعَةِ الْخَتْمِ مَعَ كَوْنِهَا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْعِزَّةِ كَالتَّعْرِيفِ فِي الْحَمْدُ هُوَ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ فَيَقْتَضِي انْفِرَادَهُ تَعَالَى بِهِ لِأَنَّ مَا يَثْبُتُ لِغَيْرِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ كَالْعَدَمِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ.
وَتَنْكِيرُ سَلامٌ لِلتَّعْظِيمِ.