وَفِعْلُ يَنْظُرُونَ مُشْتَقٌّ مِنَ النَّظْرَةِ وَهُوَ التَّرَقُّبِ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ فِي سُورَة [الْأَنْعَام: 158] .
وَالصَّيْحَةُ: الصَّوْتُ الشَّدِيدُ الْخَارِجُ مِنْ حَلْقِ الْإِنْسَانِ لِزَجْرٍ، أَوِ اسْتِغَاثَةٍ. وَأُطْلِقَتِ الصَّيْحَةُ فِي مَوَاضِعَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى صَوْتِ الصَّاعِقَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي شَأْنِ ثَمُودٍ:
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ [الْحجر: 73] . فَالصَّيْحَةُ هُنَا تَحْتَمِلُ الْمَجَازَ، أَيْ مَا يَنْتَظِرُونَ إِلَّا صَعْقَةً أَوْ نَفْخَةً عَظِيمَةً. وَالْمُرَادُ النَّفْخَةُ الْأَوْلَى الَّتِي يَنْقَضِي بِهَا نِظَامُ الْحَيَاةِ فِي هَذَا الْعَالَمِ، وَالْأُخْرَى تَنْشَأُ عَنْهَا النَّشْأَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ، فَيَكُونُ أُسْلُوبُ الْكَلَامِ خَارِجًا عَلَى الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ إِعْرَاضًا عَنْ جَوَابِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا حَقِيقَةَ الِاسْتِفْهَامِ فَأُجِيبُوا بِأَنَّ مَا أُعِدَّ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ هُوَ الْأَجْدَرُ بِأَنْ يَنْتَظِرُوهُ.
وَمَعْنَى تَأْخُذُهُمْ تُهْلِكُهُمْ فَجْأَةً، شُبِّهَ حُلُولُ صَيْحَةِ الْعِقَابِ بِحُلُولِ الْمُغِيرِينَ عَلَى
الْحَيِّ لِأَخْذِ أَنْعَامِهِ وَسَبْيِ نِسَائِهِ، فَأُطْلِقَ عَلَى ذَلِكَ الْحُلُولِ فِعْلُ تَأْخُذُهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً [الحاقة: 10] أَيْ تَحُلُّ بِهِمْ وَهُمْ يَخْتَصِمُونَ.
وَإِسْنَادُ الْأَخْذِ إِلَى الصَّيْحَةِ حَقِيقَةٌ عَقْلِيَّةٌ لِأَنَّهُمْ يَهْلِكُونَ بِصَعْقَتِهَا.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الصَّيْحَةُ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَهِيَ صَيْحَةُ صَائِحِينَ، أَيْ مَا يَنْتَظِرُونَ إِلَّا أَنْ يُصَاحَ بِهِمْ صَيْحَةً تُنْذِرُ بِحُلُولِ الْقَتْلِ، فَيَكُونَ إِنْذَارًا بِعَذَابِ الدُّنْيَا. ولعلها صَيْحَة الصَّارِخ الَّذِي جَاءَهُمْ بِخَبَرِ تَعَرُّضِ الْمُسْلِمِينَ لِرَكْبِ تِجَارَةِ قُرَيْشٍ فِي بَدْرٍ.
ويَخِصِّمُونَ مِنَ الْخُصُومَةِ وَالْخِصَامِ وَهُوَ الْجِدَالُ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [105] ، وَقَوْلِهِ: هذانِ خَصْمانِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ [19] .
وَأَصْلُهُ: يَخْتَصِمُونَ فَوَقَعَ إِبْدَالُ التَّاءِ ضَادًا لِقُرْبِ مَخْرَجَيْهِمَا طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ بِالْإِدْغَامِ.
وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِهَا، فَقَرَأَهُ الْجَمِيعُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ: فَقَرَأَ وَرَشٌ عَنْ نَافِعٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يَخِصِّمُونَ