أَنْوَاعِ الْإِنْفَاقِ، وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَيِّرُونَ مَنْ يَشِحُّ بِإِطْعَامِ الطَّعَامِ وَإِذَا مَنَعُوا الْمُؤْمِنِينَ الطَّعَامَ كَانَ مَنْعُهُمْ مَا هُوَ فَوْقَهُ أَحْرَى.
وَجُمْلَةُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ مِنْ قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ يُخَاطِبُونَ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ مَا أَنْتُمْ فِي قَوْلِكُمْ: أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنِ اعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ مُتَصَرِّفٌ فِي أَحْوَالِنَا إِلَّا مُتَمَكِّنٌ مِنْكُمُ الضَّلَالُ الْوَاضِحُ. وَجَعَلُوهُ ضَلَالًا لِجَهْلِهِمْ بِصِفَاتِ اللَّهِ، وَجَعَلُوهُ مُبِينًا لِأَنَّهُمْ يُحَكِّمُونَ الظَّوَاهِرَ مِنْ أَسْبَابِ اكْتِسَابِ الْمَالِ وَعَدَمِهِ.
وَالْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِلْإِنْكَارِ الْمُسْتَفَادِ من الِاسْتِفْهَام.
[48، 50]
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (48) مَا يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)
ذَكَرَ عَقِبَ اسْتِهْزَائِهِمْ بِالْمُؤْمِنِينَ لَمَّا مَنَعُوهُمُ الْإِنْفَاقَ بِعِلَّةِ أَنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لَأَطْعَمَهُمُ اسْتِهْزَاءً آخَرَ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي تَهْدِيدِهِمُ الْمُشْرِكِينَ بِعَذَابٍ يَحُلُّ بِهِمْ فَكَانُوا يَسْأَلُونَهُمْ هَذَا الْوَعْدَ اسْتِهْزَاءً بِهِمْ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، فَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ كِنَايَةً عَنِ التَّهَكُّمِ وَالتَّكْذِيبِ. وَأُطْلِقَ الْوَعْدُ عَلَى الْإِنْذَارِ وَالتَّهْدِيدِ بِالشَّرِّ لِأَنَّ الْوَعْدَ أَعَمُّ وَيَتَعَيَّنُ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ بِالْقَرِينَةِ. وَاسْمُ الْإِشَارَةِ لِلْوَعْدِ مُسْتَعْمَلٌ فِي الِاسْتِخْفَافِ بِوَعْدِ الْعَذَابِ كَمَا فِي قَوْلِ قَيْسِ بْنِ الْخَطِيمِ:
مَتَى يَأْتِ هَذَا الْمَوْتُ لَا يُلْفِ حَاجَةً ... لِنَفْسِي إِلَّا قَدْ قَضَيْتُ قَضَاءَهَا
وَإِذَا قَدْ كَانَ اسْتِهْزَاؤُهُمْ هَذَا يَسُوءُ الْمُسْلِمِينَ أَعْلَمَ اللَّهُ وَرَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ الْوَعْدَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ وَأَنَّهُمْ مَا يَنْتَظِرُونَ إِلَّا صَيْحَةً تَأْخُذُهُمْ فَلَا يُفْلِتُونَ مِنْ أَخْذَتِهَا.