وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.
نَاسَبَ ذِكْرُ الظُّلْمِ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْهُ إِلَى وَعِيدِ الظَّالِمِينَ وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الْمُسْلِمِينَ بِالْأَذَى وَالشَّتْمِ بِأَقْوَالِهِمْ وَأَشْعَارِهِمْ. وَجُعِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي مَوْقِعِ التَّذْيِيلِ فَاقْتَضَتِ الْعُمُومَ فِي مُسَمَّى الظُّلْمِ الشَّامِلِ لِلْكُفْرِ وَهُوَ ظُلْمُ الْمَرْءِ نَفْسَهُ وَلِلْمَعَاصِي الْقَاصِرَةِ عَلَى النَّفْسِ كَذَلِكَ، وَلِلِاعْتِدَاءِ عَلَى حُقُوقِ النَّاسِ. وَقَدْ تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ فِي عَهْدِهِ إِلَى عُمَرَ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَهُ، وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ لِلِاسْتِئْنَافِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ تحذير عَن غَمْصِ الْحُقُوقِ وَحَثٌّ عَنِ اسْتِقْصَاءِ الْجُهْدِ فِي النُّصْحِ لِلْأُمَّةِ وَهِيَ نَاطِقَةٌ بِأَهْيَبِ مَوْعِظَةٍ وَأَهْوَلِ وَعِيدٍ لِمَنْ تَدَبَّرَهَا لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ حَرْفِ التَّنْفِيسِ الْمُؤْذِنِ بِالِاقْتِرَابِ، وَمِنَ اسْمِ الْمَوْصُولِ الْمُؤْذِنِ بِأَنَّ سُوءَ الْمُنْقَلَبِ يَتَرَقَّبُ الظَّالِمِينَ لِأَجْلِ ظُلْمِهِمْ، وَمِنَ الْإِبْهَامِ فِي قَوْلِهِ: أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ إِذْ تَرَكَ تَبْيِينَهُ بِعِقَابٍ مُعَيَّنٍ لِتَذْهَلَ نُفُوسُ الْمُوعَدِينَ فِي كُلِّ مَذْهَبٍ مُمْكِنٍ مِنْ هَوْلِ الْمُنْقَلَبِ وَهُوَ عَلَى الْإِجْمَالِ مُنْقَلَبُ سُوءٍ.
وَالْمُنْقَلَبُ: مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ مِنَ الِانْقِلَابِ وَهُوَ الْمَصِيرُ وَالْمَآلُ، لِأَنَّ الِانْقِلَابَ هُوَ الرُّجُوعُ. وَفِعْلُ الْعِلْمِ مُعَلَّقٌ عَنِ الْعَمَلِ بِوُجُودِ اسْمِ الِاسْتِفْهَامِ بَعْدَهُ. وَاسْمُ الِاسْتِفْهَامِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالنِّيَابَةِ عَنِ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ الَّذِي أُضِيفَ هُوَ إِلَيْهِ. قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : وَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَتَوَاعَظُونَ بِهَا وَيَتَنَاذَرُونَ شِدَّتَهَا.