انْتِقَالٌ إِلَى تشريع من شؤون الْمُعَامَلَاتِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الَّتِي لَهَا أَثَرٌ فِي الْأَنْسَاب وَمن شؤون حُقُوقِ الْمَوَالِي وَالْعَبِيدِ، وَهَذَا الِانْتِقَالُ لِمُنَاسَبَةِ مَا سَبَقَ مِنْ حُكْمِ الِاكْتِسَابِ الْمُنْجَرِّ مِنَ الْعَبِيدِ لِمَوَالِيهِمْ وَهُوَ الْكِتَابَةُ فَانْتَقَلَ إِلَى حُكْمِ الْبِغَاءِ.

وَالْبِغَاءُ مَصْدَرُ: بَاغَتِ الْجَارِيَةُ، إِذَا تَعَاطَتِ الزِّنَى بِالْأَجْرِ حِرْفَةً لَهَا، فَالْبِغَاءُ الزِّنَى بِأُجْرَةٍ. وَاشْتِقَاقُ صِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّكْرِيرِ وَلِذَلِكَ لَا يُقَالُ إِلَّا: بَاغَتِ الْأَمَةُ.

وَلَا يُقَالُ: بَغَتْ. وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْبَغْيِ بِمَعْنَى الطَّلَبِ كَمَا قَالَ عِيَاضٌ فِي «الْمَشَارِقِ» لِأَنَّ سَيِّدَ الْأَمَةِ بَغَى بِهَا كَسْبًا. وَتُسَمَّى الْمَرْأَةُ المحترفة بِهِ بَغِيًّا بِوَزْنِ فَعُولٍ بِمَعْنَى فَاعِلٍ وَلِذَلِكَ لَا تَقْتَرِنُ بِهِ هَاءُ التَّأْنِيثِ. فَأَصْلُ بَغِيٍّ بَغُويٍ فَاجْتَمَعَتِ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ إِحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتِ الْيَاءُ فِي الْيَاءِ.

وَقَدْ كَانَ هَذَا الْبِغَاءُ مَشْرُوعًا فِي الشَّرَائِعِ السَّالِفَةِ فَقَدْ جَاءَ فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ فِي الْإِصْحَاحِ 38: «فَخَلَعَتْ عَنْهَا ثِيَابَ تَرَمُّلِهَا وَتَغَطَّتْ بِبُرْقُعٍ وَتَلَفَّفَتْ وَجَلَسَتْ فِي مَدْخَلِ (عَيْنَائِمَ) الَّتِي عَلَى الطَّرِيقِ» ثُمَّ قَالَ فَنَظَرَهَا يَهُوذَا وَحَسِبَهَا زَانِيَةً لِأَنَّهَا كَانَتْ قَدْ غَطَّتْ وَجْهَهَا فَمَالَ إِلَيْهَا عَلَى الطَّرِيقِ وَقَالَ: هَاتِي أَدْخُلُ عَلَيْكَ. فَقَالَتْ: مَاذَا تُعْطِينِي؟ فَقَالَ: أرسل لَك جدي مِعْزًى مِنَ الْغَنَمِ.. ثُمَّ قَالَ وَدَخَلَ عَلَيْهَا فَحَبِلَتْ مِنْهُ» .

وَقَدْ كَانَتْ فِي الْمَدِينَةِ إِمَاءٌ بَغَايَا مِنْهُنَّ سِتُّ إِمَاءٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بن سَلُولٍ وَهُنَّ:

مُعَاذَةُ وَمُسَيْكَةُ وَأُمَيْمَةُ وَعَمْرَةُ وَأَرْوَى وَقَتِيلَةُ، وَكَانَ يُكْرِهُهُنَّ عَلَى الْبِغَاءِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: رَوَى مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْرَى قُرَيْشٍ فِي يَوْمِ بَدْرٍ قَدْ جُعِلَ عِنْدَ

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَكَانَ هَذَا الْأَسِيرُ يُرِيدُ مُعَاذَةَ عَلَى نَفْسِهَا وَكَانَتْ تَمْتَنِعُ مِنْهُ لِأَنَّهَا أَسْلَمَتْ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ يَضْرِبُهَا عَلَى امْتِنَاعِهَا مِنْهُ رَجَاءَ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ (أَيْ مِنَ الْأَسِيرِ الْقُرَشِيِّ) فَيَطْلُبُ فِدَاءَ وَلَدِهِ، أَيْ فِدَاءَ رِقِّهِ مِنِ ابْنِ أُبَيٍّ. وَلَعَلَّ هَذَا الْأَسير كَانَ مؤسرا لَهُ مَالٌ بِمَكَّةَ وَكَانَ الزَّانِي بِالْأَمَةِ يَفْتَدِي وَلَدَهُ بِمِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ يَدْفَعُهَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015