الصَّحِيحِ: «أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الَخَصِمُ»
. وَمِمَّا جَرَّهُ الْإِشْرَاكُ إِلَى الْعَرَبِ مِنْ مَذَامِّ الْأَخْلَاقِ الَّتِي خَلَطُوا بِهَا مَحَاسِنَ أَخْلَاقِهِمْ أَنَّهُمْ رُبَّمَا تُمُدِّحُوا بِاللَّدَدِ، قَالَ بَعْضُهُمْ فِي رِثَاءِ الْبَعْضِ:
إِنَّ تَحْتَ الْأَحْجَارِ حَزْمًا وَعَزْمًا ... وَخَصِيمًا أَلَدَّ ذَا مِغْلَاقِ
وَقَدْ حَسُنَ مُقَابَلَةُ الْمُتَّقِينَ بِقَوْمٍ لُدٍّ، لِأَنَّ التَّقْوَى امْتِثَالٌ وَطَاعَةٌ وَالشِّرْكَ عِصْيَانٌ وَلَدَدٌ.
وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ كُفْرَهُمْ عَنْ عِنَادٍ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْحَقُّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الْأَنْعَام: 33] .
وَإِيقَاعُ لَفْظِ الْقَوْمِ عَلَيْهِمْ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ اللَّدَدَ شَأْنُهُمْ، وَهُوَ الصِّفَةُ الَّتِي تَقَوَّمَتْ مِنْهَا قَوْمِيَّتُهُمْ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [164] ، وَقَوْلِهِ
تَعَالَى: وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ فِي سُورَة يُونُس [101] .
[98]
وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (98)
لَمَّا ذُكِرُوا بِالْعِنَادِ وَالْمُكَابَرَةِ أُتْبِعَ بِالتَّعْرِيضِ بِتَهْدِيدِهِمْ عَلَى ذَلِكَ بِتَذْكِيرِهِمْ بِالْأُمَمِ الَّتِي اسْتَأْصَلَهَا اللَّهُ لِجَبَرُوتِهَا وَتَعَنُّتِهَا لِتَكُونَ لَهُمْ قِيَاسًا وَمَثَلًا. فَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ [مَرْيَم: 97] بِاعْتِبَارِ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ بِشَارَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَنِذَارَةِ الْمُعَانِدِينَ، لِأَنَّ فِي التَّعْرِيضِ بِالْوَعِيدِ لَهُمْ نِذَارَةٌ لَهُمْ وَبِشَارَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِاقْتِرَابِ إِرَاحَتِهِمْ مِنْ ضُرِّهِمْ.