وَلَا تعبأ بِمَا يحصل مَعَ ذَلِكَ مِنَ الْغَيْظِ أَوِ الْحِقْدِ. وَذَلِكَ أَنَّ
الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَقُولُونَ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَفَفْتَ عَنْ شَتْمِ آلِهَتِنَا وَآبَائِنَا وَتَسْفِيهِ آرَائِنَا لَاتَّبَعْنَاكَ» .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى وَعِيدِ الْكَافِرِينَ بِقَوْلِهِ: لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً [مَرْيَم: 94، 95] . وَوَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا [مَرْيَم: 96] . وَالْمُفَرَّعُ هُوَ مَضْمُونُ لِتُبَشِّرَ بِهِ إِلَخْ وَتُنْذِرَ بِهِ إِلَخْ، أَيْ ذَلِكَ أَثَرُ الْإِعْرَاضِ عَمَّا جِئْتَ بِهِ مِنَ النِّذَارَةِ، وَأَثَرُ الْإِقْبَالِ عَلَى مَا جِئْتَ بِهِ مِنَ الْبِشَارَةِ مِمَّا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ فَإِنَّا مَا أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْكَ إِلَّا لِذَلِكَ.
وَضَمِيرُ الْغَائِبِ عَائِدٌ إِلَى الْقُرْآنِ بِدَلَالَةِ السِّيَاقِ مِثْلُ: حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ [ص:
32] . وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ التَّيْسِيرَ تَسْهِيلُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. وَهَذَا إِدْمَاجٌ لِلثَّنَاءِ عَلَى الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ مُيَسَّرٌ لِلْقِرَاءَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [الْقَمَر: 32] .
وَاللِّسَانُ: اللُّغَةُ، أَيْ بِلُغَتِكَ، وَهِيَ الْعَرَبِيَّةُ، كَقَوْلِهِ: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشُّعَرَاء: 192- 195] فَإِنَّ نُزُولَ الْقُرْآنِ بِأَفْضَلِ اللُّغَاتِ وَأَفْصَحِهَا هُوَ مِنْ أَسْبَابِ فَضْلِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ وَتَسْهِيلِ حِفْظِهِ مَا لَمْ يُسَهَّلْ مِثْلُهُ لِغَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ.
وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَوِ الْمُصَاحَبَةِ.
وَعَبَّرَ عَن الْكفَّار بِقوم لدّ ذَمًّا لَهُمْ بِأَنَّهُمْ أَهْلُ إِيغَالٍ فِي الْمِرَاءِ وَالْمُكَابَرَةِ، أَيْ أَهْلُ تَصْمِيمٍ عَلَى بَاطِلِهِمْ، فَاللُّدُّ: جَمْعُ أَلَدٍّ، وَهُوَ الْأَقْوَى فِي اللَّدَدِ، وَهُوَ الْإِبَايَةُ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِالْحَقِّ.
وَفِي الْحَدِيثِ