وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ فَإِنَّ ذِكْرَ الْأَقْلَامِ إِنَّمَا يُنَاسِبُ الْمِدَادَ بِمَعْنَى الْحِبْرِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُنَا تَشْبِيهُ كَلِمَاتِ اللَّهِ بِالسِّرَاجِ الْمُضِيءِ، لِأَنَّهُ يَهْدِي إِلَى الْمَطْلُوبِ، كَمَا شُبِّهَ نُورُ اللَّهِ وَهَدْيُهُ بِالْمِصْبَاحِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ [النُّور: 35] وَيَكُونُ الْمِدَادُ تَخْيِيلًا بِالزَّيْتِ الَّذِي يُمَدُّ بِهِ السِّرَاجُ.

وَالْمِدَادُ يُطْلَقُ عَلَى الْحِبْرِ لِأَنَّهُ تُمَدُّ بِهِ الدَّوَاةُ، أَيْ يُمَدُّ بِهِ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ نَوْعِهِ، وَيُطْلَقُ الْمِدَادُ عَلَى الزَّيْتِ الَّذِي يُمَدُّ بِهِ السِّرَاجُ وَغَلَبَ إِطْلَاقُهُ عَلَى الْحِبْرِ. وَهُوَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ فَتَتَضَمَّنُ الْآيَةُ مَكْنِيَّتَيْنِ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ.

وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِكَلِماتِ لَامُ الْعِلَّةِ، أَيْ لِأَجْلِ كَلِمَاتِ رَبِّي. وَالْكَلَامُ يُؤْذِنُ بِمُضَافٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: لِكِتَابَةِ كَلِمَاتِ رَبِّي، إِذِ الْمِدَادُ يُرَادُ لِلْكِتَابَةِ وَلَيْسَ الْبَحْرُ مِمَّا يُكْتَبُ بِهِ وَلَكِنَّ الْكَلَامَ بُنِيَ عَلَى الْمَفْرُوضِ بِوَاسِطَةِ (لَوْ) .

وَالْمِدَادُ: اسْمٌ لِمَا يُمَدُّ بِهِ الشَّيْءُ، أَيْ يُزَادُ بِهِ عَلَى مَا لَدَيْهِ. وَلَمْ يَقُلْ مِدَادًا، إِذْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ تَشْبِيهُهُ بِالْحِبْرِ لِحُصُولِ ذَلِكَ بِالتَّشْبِيهِ الَّذِي قَبْلَهُ وَإِنَّمَا قُصِدَ هُنَا أَنَّ مِثْلَهُ يَمُدُّهُ.

وَالنَّفَادُ: الْفَنَاءُ وَالِاضْمِحْلَالُ، وَنَفَادُ الْبَحْرِ مُمْكِنٌ عَقْلًا.

وَأَمَّا نَفَادُ كَلِمَاتِ اللَّهِ بِمَعْنَى تَعَلُّقَاتِ عِلْمِهِ فَمُسْتَحِيلٌ، فَلَا يُفْهَمُ مِنْ تَقْيِيدِ نَفَادِ كَلِمَاتِ اللَّهِ بِقَيْدِ الظَّرْفِ وَهُوَ قَبْلَ إِمْكَانُ نَفَادِ كَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَكِنْ لَمَّا بُنِيَ الْكَلَامُ عَلَى الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ (لَوْ) كَانَ الْمَعْنَى لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي وَكَانَتْ كَلِمَاتُ رَبِّي مِمَّا يَنْفَدُ لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015