وَ (أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا) مُتَعَلِّقٌ بِ أَنْذِرُوا عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ حَذْفًا مُطَّرِدًا مَعَ (أَنْ) . وَالتَّقْدِيرُ: أَنْذِرُوا بِأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا. وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ بِ (أَنَّ) ضَمِيرُ الشَّأْنِ. وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْخَبَرُ مَسُوقًا لِلَّذِينَ اتَّخَذُوا مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى وَكَانَ ذَلِكَ ضَلَالًا يَسْتَحِقُّونَ عَلَيْهِ الْعِقَابَ جَعَلَ إِخْبَارَهُمْ بضدّ اعْتِقَادهم وتحذيرهم مِمَّا هُمْ فِيهِ إِنْذَارًا.

وَفَرَّعَ عَلَيْهِ فَاتَّقُونِ وَهُوَ أَمْرٌ بِالتَّقْوَى الشَّامِلَةِ لِجَمِيعِ الشَّرِيعَةِ.

وَقَدْ أَحَاطَتْ جُمْلَةُ أَنْ أَنْذِرُوا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاتَّقُونِ بِالشَّرِيعَةِ كُلِّهَا، لِأَن جملَة أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا تَنْبِيهٌ عَلَى مَا يَرْجِعُ مِنَ الشَّرِيعَةِ إِلَى إِصْلَاحِ الِاعْتِقَادِ وَهُوَ الْأَمْرُ بِكَمَالِ الْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ.

وَجُمْلَةُ فَاتَّقُونِ تَنْبِيهٌ عَلَى الِاجْتِنَابِ وَالِامْتِثَالِ اللَّذَيْنِ هُمَا مُنْتَهَى كَمَالِ الْقُوَّة العملية.

[3]

[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 3]

خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3)

اسْتِئْنَاف بياني ناشىء عَنْ قَوْلِهِ: سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ [سُورَة النَّحْل: 1] لِأَنَّهُمْ إِذَا سَمِعُوا ذَلِكَ تَرَقَّبُوا دَلِيلَ تَنْزِيهِ اللَّهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ شُرَكَاءُ. فَابْتُدِئَ بِالدَّلَالَةِ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْخَلْقِ وَالتَّقْدِيرِ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا يُخْلَقُ لَا يُوصَفُ بِالْإِلَهِيَّةِ كَمَا أنبأ عَنهُ التّفريع عَقِبَ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ بِقَوْلِهِ الْآتِي: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [سُورَة النَّحْل: 17] .

وَأَعْقَبَ قَوْلَهُ: سُبْحانَهُ بِقَوْلِهِ: وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ تَحْقِيقًا لِنَتِيجَةِ الدَّلِيلِ، كَمَا يُذْكَرُ الْمَطْلُوبُ قَبْلَ ذِكْرِ الْقِيَاسِ فِي صِنَاعَةِ الْمَنْطِقِ ثُمَّ يُذْكَرُ ذَلِكَ الْمَطْلُوبُ عَقِبَ الْقِيَاسِ فِي صُورَةِ النَّتِيجَةِ تَحْقِيقًا لِلْوَحْدَانِيَّةِ، لِأَنَّ الضَّلَالَ فِيهَا هُوَ أَصْلُ انْتِقَاضِ عَقَائِدِ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَلِأَنَّ إِشْرَاكَهُمْ هُوَ الَّذِي حَدَاهُمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015