وَوَجْهُ تَشْبِيهِ الْوَحْيِ بِالرُّوحِ أَنَّ الْوَحْيَ إِذَا وَعَتْهُ الْعُقُولُ حَلَّتْ بِهَا الْحَيَاةُ الْمَعْنَوِيَّةُ وَهُوَ الْعِلْمُ، كَمَا أَنَّ الرُّوحَ إِذَا حَلَّ فِي الْجِسْمِ حَلَّتْ بِهِ الْحَيَاةُ الْحِسِّيَّةُ، قَالَ تَعَالَى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [سُورَة الشورى: 52] .
وَمَعْنَى مِنْ أَمْرِهِ الْجِنْسُ، أَيْ مِنْ أُمُوره، وَهِي شؤونه وَمُقَدَّرَاتُهُ الَّتِي اسْتَأْثَرَ بهَا.
وَذَلِكَ وَجه إِضَافَتُهُ إِلَى اللَّهِ كَمَا هُنَا وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا، وَقَوْلَهِ تَعَالَى: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [سُورَة الرَّعْد: 11] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [سُورَة الْإِسْرَاء: 85] لِمَا تُفِيدُهُ الْإِضَافَةُ مِنَ التَّخْصِيصِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يُنَزِّلُ- بِيَاءٍ تَحْتِيَّةٍ مَضْمُومَةٍ وَفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ مَكْسُورَةً-.
وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَرُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ- بِسُكُونِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الزَّاي مَكْسُورَةً، والْمَلائِكَةَ مَنْصُوبًا.
وَقَرَأَهُ رَوْحٌ عَنْ يَعْقُوبَ- بِتَاءٍ فَوْقِيَّةٍ مَفْتُوحَةً وَفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ مَفْتُوحَةً وَرَفْعِ الْمَلائِكَةَ عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ تَتَنَزَّلُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ رَدٌّ عَلَى فُنُونٍ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ فَقَدْ قَالُوا:
لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [سُورَة الزخرف: 31] وَقَالُوا:
فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ [سُورَة الزخرف: 53] أَيْ كَانَ مَلِكًا، وَقَالُوا: مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ [سُورَة الْفرْقَان: 7] . وَمَشِيئَةُ اللَّهِ جَارِيَةٌ عَلَى وَفْقِ حِكْمَتِهِ، قَالَ تَعَالَى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [سُورَة الْأَنْعَام: 124] .
وأَنْ أَنْذِرُوا تَفْسِيرٌ لِفِعْلِ يُنَزِّلُ لِأَنَّهُ فِي تَقْدِيرِ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالْوَحْيِ.
وَقَوْلُهُ: بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ اعْتِرَاضٌ وَاسْتِطْرَادٌ بَيْنَ فِعْلِ يُنَزِّلُ وَمُفَسِّرِهِ.