بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا. فَلَمَّا فُصِلَتِ الْجُمْلَةُ هُنَا فُهِمْ أَنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي قَبْلَهَا مَقْصُودَةُ التَّمْهِيدِ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَلَوْ عُطِفَتْ هَذِهِ لَمَا فُهِمَ هَذَا الْمَعْنَى الْبَدِيعُ مِنَ النَّظْمِ.
وَالْمَدُّ: أَصْلُهُ الزِّيَادَةُ. وَأُطْلِقَ عَلَى بَسْطِ الْجِسْمِ وَتَطْوِيلِهِ. يُقَالُ: مَدَّ يَدَهُ إِلَى كَذَا، وَمَدَّ رِجْلَهُ فِي الْأَرْضِ. ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِلزِّيَادَةِ مِنْ شَيْءٍ. وَمِنْهُ مَدَدُ الْجَيْشِ، وَمَدُّ الْبَحْرِ، وَالْمَدُّ فِي الْعُمُرِ. وَتِلْكَ إِطْلَاقَاتٌ شَائِعَةٌ صَارَتْ حَقِيقَةً. وَاسْتُعِيرَ الْمَدُّ هُنَا إِلَى التَّحْدِيقِ بِالنَّظَرِ وَالطُّمُوحِ بِهِ تَشْبِيهًا لَهُ بِمَدِّ الْيَدِ لِلْمُتَنَاوِلِ، لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ نَظَرُ الْإِعْجَابِ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ حُسْنِ الْحَالِ فِي رَفَاهِيَةِ عَيْشِهِمْ مَعَ كُفْرِهِمْ، أَيْ فَإِنَّ مَا أُوتِيتَهُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ فَلَوْ كَانُوا بِمَحَلِّ الْعِنَايَةَ لَاتَّبَعُوا مَا آتَيْنَاكَ وَلَكِنَّهُمْ رَضُوا بِالْمَتَاعِ الْعَاجِلِ فَلَيْسُوا مِمَّنْ يُعْجِبُ حَالَهُمْ.
وَالْأَزْوَاجُ هُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَشْهُورِ، أَيِ الْكُفَّارُ وَنِسَائُهُمْ. وَوَجْهُ تَخْصِيصِهِمْ بِالذِّكْرِ أَنَّ حَالَتَهُمْ أَتَمُّ أَحْوَالِ التَّمَتُّعِ لِاسْتِكْمَالِهَا جَمِيعَ اللَّذَّاتِ وَالْأُنْسِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَجَازُ عَنِ الْأَصْنَافِ وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ أَثْبَتَهُ الرَّاغِبُ. فَوَجْهُ ذِكْرِهِ فِي الْآيَةِ أَنَّ التَّمَتُّعَ الَّذِي تَمْتَدُّ إِلَى مِثْلِهِ الْعَيْنُ لَيْسَ ثَابِتًا لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ بَلْ هُوَ شَأْنُ كُبَرَائِهِمْ، أَيْ فَإِنَّ فِيهِمْ مَنْ هُمْ فِي حَالِ خَصَاصَةٍ فَاعْتَبِرْ بِهِمْ كَيْفَ جُمِعَ لَهُمُ الْكُفْرُ وَشَظَفُ الْعَيْشِ.
وَالنَّهْيُ عَن الْحزن عَلَيْهِم شَامِلٌ لِكُلِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِمْ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُحْزِنَ الرَّسُولَ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وَتُؤْسِفُهُ. فَمِنْ ذَلِكَ كُفْرُهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً [سُورَة الْكَهْف: 6] . وَمِنْهُ حُلُولُ الْعَذَابِ بِهِمْ مِثْلُ مَا حَلَّ بِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَإِنَّهُمْ سَادَةُ أَهْلِ مَكَّة، فلعلّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَحَسَّرَ عَلَى إِصْرَارِهِمْ حَتَّى حَلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ مِنَ الْعَذَابِ. فَفِي هَذَا النَّهْيِ كِنَايَةٌ عَنْ قِلَّةِ الِاكْتِرَاثِ بِهِمْ وَعَنْ تَوَعُّدِهِمْ بِأَنْ سَيَحِلُّ بِهِمْ مَا يُثِيرُ الْحُزْنَ لَهُمْ، وَكِنَايَةٌ عَنْ رَحْمَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ.