وَقالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7)
عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا [سُورَة الْحجر: 3] . وَالْمُنَاسَبَةُ أَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهَا تَضَمَّنَتِ انْهِمَاكَهُمْ فِي الْمَلَذَّاتِ وَالْآمَالِ، وَهَذِهِ تَضَمَّنَتْ تَوَغُّلَهُمْ فِي الْكُفْرِ وَتَكْذِيبَهُمُ الرِّسَالَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ.
وَالْمَعْنَى: ذَرْهُمْ يُكَذِّبُونَ وَيَقُولُونَ شَتَّى الْقَوْلِ مِنَ التَّكْذِيبِ وَالِاسْتِهْزَاءِ.
وَالْجُمْلَةُ كُلُّهَا مِنْ مَقُولِهِمْ.
وَالنِّدَاءُ فِي يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ لِلتَّشْهِيرِ بِالْوَصْفِ الْمُنَادَى بِهِ، وَاخْتِيَارُ الْمَوْصُولِيَّةِ لِمَا فِي الصِّلَةِ مِنَ الْمَعْنَى الَّذِي جَعَلُوهُ سَبَبَ التَّهَكُّمِ. وَقَرِينَةُ التَّهَكُّمِ قَوْلُهُمْ:
إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ. وَقَدْ أَرَادُوا الِاسْتِهْزَاءَ بِوَصْفِهِ فَأَنْطَقَهُمُ اللَّهُ بِالْحَقِّ فِيهِ صَرْفًا لِأَلْسِنَتِهِمْ عَنِ الشَّتْمِ. وَهَذَا كَمَا كَانُوا إِذَا شَتَمُوا النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ هَجَوْهُ يَدْعُونَهُ مُذَمَّمًا
فَقَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ: «أَلَمْ تَرَيْ كَيْفَ صَرَفَ اللَّهُ عَنِّي أَذَى الْمُشْرِكِينَ وَسَبَّهُمْ، يَسُبُّونَ مُذَمَّمًا وَأَنَا مُحَمَّدٌ»
. وَفِي هَذَا إِسْنَادُ الصِّلَةِ إِلَى الْمَوْصُولِ بِحَسب مَا يدعبه صَاحِبُ اسْمِ الْمَوْصُولِ، لَا بِحَسَبِ اعْتِقَادِ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّهَكُّمِ.
والذِّكْرُ: مَصْدَرُ ذَكَرَ، إِذَا تَلَفَّظَ. وَمَصْدَرُ ذَكَرَ إِذَا خَطَرَ بِبَالِهِ شَيْءٌ. فَالذِّكْرُ الْكَلَامُ الْمُوحَى بِهِ لِيُتْلَى وَيُكَرَّرَ، فَهُوَ لِلتِّلَاوَةِ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ وَيُعَادُ إِمَّا لِأَنَّ فِيهِ التَّذْكِيرَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَإِمَّا بِمَعْنَى أَنَّ بِهِ ذِكْرَهُمْ فِي الْآخَرِينَ، وَقَدْ شَمَلَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ [سُورَة الْأَنْبِيَاء: 10] وَقَالَ: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [سُورَة الزخرف:
44] وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْقُرْآنُ.