[سُورَة الرَّعْد (13) : آيَة 43]

وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (43)

عَطْفٌ عَلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ جُمْلَةُ وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [الرَّعْد: 42] مِنْ التَّعْرِيضِ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ [سُورَة الْأَنْعَام: 37] ضَرْبٌ مِنَ الْمَكْرِ بِإِظْهَارِهِمْ

أَنَّهُمْ يَتَطَلَّبُونَ الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُظْهِرِينَ أَنَّهُمْ فِي شكّ من صدقه وهم يبطنون التصميم على التَّكْذِيب. فَذكرت هَذِه الْآيَة أَنهم قَدْ أَفْصَحُوا تَارَاتٍ بِمَا أَبْطَنُوهُ فَنَطَقُوا بِصَرِيحِ التَّكْذِيبِ وَخَرَجُوا مِنْ طَوْرِ الْمَكْرِ إِلَى طَوْرِ الْمُجَاهَرَةِ بِالْكُفْرِ فَقَالُوا: لَسْتَ مُرْسَلًا.

وَقَدْ حُكِيَ قَوْلُهُمْ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَلِاسْتِحْضَارِ حَالِهِمْ الْعَجِيبَةِ مِنَ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى التَّكْذِيبِ بَعْدَ أَنْ رَأَوْا دَلَائِلَ الصِّدْقِ، كَمَا عَبَّرَ بِالْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ [سُورَة هود: 38] وَقَوْلِهِ: يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ [سُورَة هود: 11] .

وَلَمَّا كَانَتْ مَقَالَتُهُمْ الْمَحْكِيَّةُ هُنَا صَرِيحَةً لَا مُوَارَبَةَ فِيهَا أُمِرَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَوَابٍ لَا جِدَالَ فِيهِ وَهُوَ تَحْكِيمُ اللَّهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ.

وَقَدْ أَمر الرَّسُول- عَلَيْهِ الصَّلَاة والسّلام- بِأَنْ يُجِيبَهُمْ جَوَابَ الْوَاثِقِ بِصِدْقِهِ الْمُسْتَشْهِدِ عَلَى ذَلِكَ بِشَهَادَةِ الصِّدْقِ مِنْ إِشْهَادِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِشْهَادِ الْعَالِمِينَ بِالْكُتُبِ وَالشَّرَائِعِ.

وَلَمَّا كَانَتِ الشَّهَادَة للرسول- عَلَيْهِ الصَّلَاة والسّلام- بِالصِّدْقِ شَهَادَةً عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ كَاذِبُونَ جُعِلَتِ الشَّهَادَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ.

وَإِشْهَادُ اللَّهِ فِي مَعْنَى الْحَلِفِ عَلَى الصِّدْقِ كَقَوْلِ هُودٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ [هود: 54] .

وَالْبَاءُ الدَّاخِلَةُ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ الَّذِي هُوَ فَاعِلُ كَفى فِي الْمَعْنَى لِلتَّأْكِيدِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015