وَالْمَعْنَى: مَكَرَ هَؤُلَاءِ وَمَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَحَلَّ الْعَذَابُ بِالَّذِينِ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَكَرَ اللَّهُ بِهِمْ وَهُوَ يَمْكُرُ بِهَؤُلَاءِ مَكْرًا عَظِيمًا كَمَا مَكَرَ بِمَنْ قَبْلَهُمْ.

وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ: فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً لِلِاخْتِصَاصِ، أَيْ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ، لِأَنَّ مَكْرَهُ لَا يَدْفَعُهُ دَافِعٌ فَمَكْرُ غَيْرِهِ كَلَا مَكْرٍ بِقَرِينَةِ أَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُمْ مَكْرًا بُقُولِهِ: وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ

. وَهَذَا بِمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ.

وَأَكَّدَ مَدْلُولَ الِاخْتِصَاصِ بِقَوْلِهِ: جَمِيعاً وَهُوَ حَالٌ مِنَ الْمَكْرِ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فِي [سُورَةِ يُونُسَ: 4] .

وَإِنَّمَا جُعِلَ جَمِيعُ الْمَكْرِ لِلَّهِ بِتَنْزِيلِ مَكْرِ غَيْرِهِ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ، فَالْقَصْرُ فِي قَوْلِهِ: فَلِلَّهِ الْمَكْرُ ادِّعَائِيٌّ، وَالْعُمُومُ فِي قَوْلِهِ: جَمِيعاً تَنْزِيلِيٌّ.

وَجُمْلَةُ يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ لِجُمْلَةِ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ مِنْ ظَاهِرِ الْكَسْبِ وَبَاطِنِهِ كَانَ مَكْرُهُ أَشَدَّ مِنْ مَكْرِ كُلِّ نَفْسٍ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ مِمَّا تُضْمِرُهُ النُّفُوسُ مِنَ الْمَكْرِ فَيَبْقَى بَعْضُ مَكْرِهِمْ دُونَ مُقَابَلَةٍ بِأَشَدَّ مِنْهُ فَإِنَّ الْقَوِيَّ الشَّدِيدَ الَّذِي لَا يَعْلَمُ الْغُيُوبَ قَدْ يَكُونُ عِقَابُهُ أَشَدَّ وَلَكِنَّهُ قَدْ يَفُوقُهُ الضَّعِيفُ بِحِيلَتِهِ.

وَجُمْلَةُ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً.

وَالْمُرَادُ بِالْكَافِرِ الْجِنْسُ، أَيِ الْكُفَّارُ، وعُقْبَى الدَّارِ تَقَدَّمَ آنِفًا، أَيْ سَيَعْلَمُ عُقْبَى الدَّارِ لِلْمُؤْمِنِينَ لَا لِلْكَافِرِينَ، فَالْكَلَامُ تَعْرِيضٌ بِالْوَعِيدِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَسَيَعْلَمُ الْكَافِرُ بِإِفْرَادِ الْكَافِرِ. وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ، وَعَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ. وَالْمُفْرَدُ وَالْجَمْعُ سَوَاءٌ فِي الْمُعَرَّفِ بلام الْجِنْس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015