قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104)
هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُتَّصِلَةُ الْمَعْنَى بِجُمْلَةِ: قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [يُونُس:
101] ، إِذِ الْمَقْصُودُ مِنَ النَّظَرِ الْمَأْمُورِ بِهِ هُنَالِكَ النَّظَرُ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى إِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ، فَإِنَّ جُحُودَهُمْ إِيَّاهَا هُوَ الَّذِي أَقْدَمَهُمْ عَلَى تَكْذِيبِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَهُ بِإِثْبَاتِهَا وَأَبْطَلَ الْإِشْرَاكَ، فَلَمَّا أَمَرَهُمْ بِالنَّظَرِ الْمُؤَدِّي إِلَى إِثْبَاتِ انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِالْإِلَهِيَّةِ أَعْقَبَهُ بِأَنْ يُخْبِرَهُمْ بِأَنَّهُمْ إِنِ اسْتَمَرُّوا عَلَى الشَّكِّ فِيمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَابِتٌ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ وَأَنَّ دَلَائِلَ صِحَّةِ دِينِهِ بَيِّنَةٌ لِلنَّاظِرِينَ. وَالْمُرَادُ بِ «النَّاسِ» فِي هَذَا الْخِطَابِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، أَوْ جَمِيعِ أُمَّةِ الدَّعْوَةِ الَّذِينَ لَمَّا يَسْتَجِيبُوا لِلدَّعْوَةِ.
وَ (فِي) مِنْ قَوْلِهِ: فِي شَكٍّ لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي التَّمَكُّنِ تَشْبِيهًا لِتَمَكُّنِ الصِّفَةِ بِتَمَكُّنِ الظَّرْفِ مِنَ الْمَظْرُوفِ مِنْ جِهَةِ الْإِحَاطَةِ.
وَعَلَّقَ الظَّرْفَ بِذَاتِ الدِّينِ، وَالْمُرَادُ الشَّكُّ فِي حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِهِ وَهِيَ الْحَالَةُ الْمُلْتَبِسَةُ بِهِمْ أَعْنِي حَالَةَ حَقِّيَّتِهِ.
وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ: مِنْ دِينِي لِلِابْتِدَاءِ الْمَجَازِيِّ، أَيْ شَكٌّ آتٍ مِنْ دِينِي. وَهُوَ ابْتِدَاء يؤول إِلَى مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ، أَيْ إِنْ كُنْتُمْ شَاكِّينَ شَكًّا سَبَبُهُ دِينِي، أَيْ يَتَعَلَّقُ بِحَقِّيَّتِهِ، لِأَنَّ الشَّكَّ يُحْمَلُ فِي كُلِّ مَقَامٍ عَلَى مَا يُنَاسِبُهُ، كَقَوْلِهِ: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ [يُونُس: 94] . وَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا. وَقَوْلِهِ: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا [الْبَقَرَة: 23] .