[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 136]

وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ مَا يَحْكُمُونَ (136)

عَطْفٌ عَلَى نَظَائِرِهِ مِمَّا حُكِيَتْ فِيهِ أَقْوَالُهُمْ وَأَعْمَالُهُمْ مِنْ قَوْلِهِ: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [الْأَنْعَام: 91] وَقَوْلِهِ: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ [الْأَنْعَام: 100] وَقَوْلِهِ: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها [الْأَنْعَام: 109] وَقَوْلِهِ: وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ [الْأَنْعَام: 124] وَمَا تَخَلَّلَ ذَلِكَ فَهُوَ إِبْطَالٌ لِأَقْوَالِهِمْ، وَرَدٌّ لِمَذَاهِبِهِمْ، وَتَمْثِيلَاتٌ وَنَظَائِرُ، فَضَمِيرُ الْجَمَاعَةِ يَعُودُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ هُمْ غَرَضُ الْكَلَامِ مَنْ أَوَّلِ السُّورَةِ مِنْ قَوْلِهِ:

ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الْأَنْعَام: 1] . وَهَذَا ابْتِدَاءُ بَيَانِ تَشْرِيعَاتِهِمِ الْبَاطِلَةِ، وَأَوَّلُهَا مَا جَعَلُوهُ حَقًّا عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ لِلْأَصْنَامِ: مِمَّا يُشْبِهُ الصَّدَقَاتِ الْوَاجِبَةِ، وَإِنَّمَا كَانُوا يُوجِبُونَهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالِالْتِزَامِ مِثْلَ النُّذُورِ، أَوْ بَتَعْيِينٍ مِنَ الَّذِينَ يُشَرِّعُونَ لَهُمْ كَمَا سَيَأْتِي.

وَالْجَعْلُ هُنَا مَعْنَاهُ الصَّرْفُ وَالتَّقْسِيمُ، كَمَا فِي قَوْلِ عُمَرَ فِي قَضِيَّةِ: مَا أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُخْتَصِمُ فِيهَا الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ «فَيَجْعَلُهُ رَسُولُ اللَّهِ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ» أَيْ يَضَعُهُ وَيَصْرِفُهُ، وَحَقِيقَةُ مَعْنَى الْجَعْلِ هُوَ التَّصْيِيرُ، فَكَمَا جَاءَ صَيَّرَ لِمَعَانٍ مَجَازِيَّةٍ، كَذَلِكَ جَاءَ (جَعَلَ) ، فَمَعْنَى وَجَعَلُوا لِلَّهِ: صَرَفُوا وَوَضَعُوا لِلَّهِ، أَيْ عَيَّنُوا لَهُ نَصِيبًا، لِأَنَّ فِي التَّعْيِينِ تَصْيِيرًا تَقْدِيرِيًّا وَنَقْلًا. وَكَذَلِكَ

قَول النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ: «أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ»

أَيْ أَنْ تَصْرِفَهَا إِلَيْهِمْ، وَجعل هَذَا يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَهَذِهِ التَّعْدِيَةُ هِيَ أَكْثَرُ أَحْوَالِ تَعْدِيَتِهِ، حَتَّى أَنَّ تَعْدِيَتَهُ إِلَى مفعولين إنّما مَا فِي الْحَقِيقَةِ مَفْعُولٌ وَحَالٌ مِنْهُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015