- 754 -
حد التَّفْسِير قَوْله:
فسورة الْفَاتِحَة بِمَا تقرر منزلَة من الْقُرْآن منزلَة الديباجة للْكتاب أَو الْمُقدمَة للخطبة، وَهَذَا الأسلوب لَهُ شَأْن عَظِيم فِي صناعَة الْأَدَب الْعَرَبِيّ وَهُوَ أعون للفهم وأدعى للوعي.
وَقد رسم أسلوب الْفَاتِحَة للمنشئين ثَلَاث قَوَاعِد للمقدمة: الْقَاعِدَة الأولى: إيجاز الْمُقدمَة لِئَلَّا تمل نفوس السامعين بطول انْتِظَار الْمَقْصُود وَهُوَ ظَاهر فِي الْفَاتِحَة، وليكون سنة للخطباء فَلَا يطيلوا الْمُقدمَة كي لَا ينسبوا إِلَى العي فَإِنَّهُ بِمِقْدَار مَا تطال الْمُقدمَة يقصر الْغَرَض، وَمن هَذَا يظْهر وَجه وَضعهَا قبل السُّور الطوَال مَعَ أَنَّهَا سُورَة قَصِيرَة. الثَّانِيَة: أَن تُشِير إِلَى الْغَرَض الْمَقْصُود وَهُوَ مَا يُسمى براعة الاستهلال لِأَن ذَلِك يُهَيِّئ السامعين لسَمَاع تَفْصِيل مَا سيرد عَلَيْهِم فيتأهبوا لتلقيه إِن كَانُوا من أهل التلقي فَحسب، أَو لنقده وإكماله إِن كَانُوا فِي تِلْكَ الدرجَة، وَلِأَن ذَلِك يدل على تمكن الْخَطِيب من الْغَرَض وثقته بسداد رَأْيه فِيهِ بِحَيْثُ يُنَبه السامعين لوعيه، وَفِيه سنة للخطباء ليحيطوا بأغراض كَلَامهم. وَقد تقدم بَيَان اشْتِمَال الْفَاتِحَة على هَذَا عِنْد الْكَلَام على وَجه تَسْمِيَتهَا أم الْقُرْآن. الثَّالِثَة: أَن تكون الْمُقدمَة من جَوَامِع الْكَلم وَقد بَين ذَلِك عُلَمَاء الْبَيَان عِنْد ذكرهم الْمَوَاضِع الَّتِي يَنْبَغِي للمتكلم أَن يتأنق فِيهَا. الرَّابِعَة: أَن تفتتح بِحَمْد الله. وَهُوَ من المكثرين جدا فِي الِاسْتِدْلَال بالشعر فِي أصل الْكتاب وحاشيته وقلما تمر صفحة إِلَّا وفيهَا بَيت من الشّعْر إِن لم يكن أَكثر.
وَهُوَ حَرِيص جدا على نِسْبَة الشواهد الشعرية لأصحابها حَتَّى إِنَّه قَالَ فِيمَا لم يقف على من قَالَه: كَقَوْل بعض فتاك الْعَرَب فِي أمه (أنْشدهُ فِي الْكَشَّاف وَلم أَقف على تعْيين قَائِله) ….
وَمن مَوَاضِع خُرُوجه عَن التَّفْسِير استطراده فِي تَسْمِيَة بعض الشُّعَرَاء تَعْلِيقا على اسْم شَاعِر اسْتدلَّ بِبَيْت لَهُ. وَمن استطراداته بِذكر أشعار كَثِيرَة كشواهد فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة مَا ذكره