وَالْغِبْطَةُ: تَمَنِّي الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ مِثْلُ مَا لِمَنْ يَرُوقُ حَالُهُ فِي نَظَرِهِ، وَهُوَ مَحْمَلُ
الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ»
، أَيْ لَا غِبْطَةَ، أَي لَا تحق الْغِبْطَةُ إِلَّا فِي تَيْنِكَ الْخَصْلَتَيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَ شِهَابُ الدِّينِ الْقَرَافِيُّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْحَسَدِ وَالْغِبْطَةِ فِي الْفَرْقِ الثَّامِنِ وَالْخَمْسِينَ وَالْمِائَتَيْنِ.
فَقَدْ يَغْلِبُ الْحَسَدُ صَبْرَ الْحَاسِدِ وَأَنَاتَهُ فَيَحْمِلُهُ عَلَى إِيصَالِ الْأَذَى لِلْمَحْسُودِ بِإِتْلَافِ أَسْبَابِ نعْمَته أَو إهلاكه رَأْسًا. وَقَدْ كَانَ الْحَسَدُ أَوَّلَ أَسْبَابِ الْجِنَايَاتِ فِي الدُّنْيَا إِذْ حَسَدَ أَحَدُ ابْنَيْ آدَمَ أَخَاهُ عَلَى أَنْ قُبِلَ قُرْبَانُهُ وَلَمْ يُقْبَلْ قُرْبَانُ الْآخَرِ، كَمَا قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْعُقُودِ.
وَتَقْيِيدُ الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّهِ بِوَقْتِ: إِذا حَسَدَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَنْدَفِعُ إِلَى عَمَلِ الشَّرِّ بِالْمَحْسُودِ حِينَ يَجِيشُ الْحَسَدُ فِي نَفْسِهِ فَتَتَحَرَّكُ لَهُ الْحِيَلُ وَالنَّوَايَا لِإِلْحَاقِ الضُّرِّ بِهِ. وَالْمُرَادُ مِنَ الْحَسَدِ فِي قَوْلِهِ: إِذا حَسَدَ حَسَدٌ خَاصٌّ وَهُوَ الْبَالِغُ أَشَدَّ حَقِيقَتِهِ، فَلَا إِشْكَالَ فِي تَقْيِيدِ الْحَسَدِ بِ حَسَدَ وَذَلِكَ كَقَوْل عَمْرو بن معد يكرب:
وَبَدَتْ لَمِيسُ كَأَنَّهَا ... بَدْرُ السَّمَاءِ إِذَا تَبَدَّى
أَيْ تَجَلَّى وَاضِحًا مُنِيرًا.
وَلَمَّا كَانَ الْحَسَدُ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْمَحْسُودِ فِي حَالَةٍ حَسَنَةٍ كَثُرَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْكِنَايَةُ عَنِ السَّيِّدِ بِالْمَحْسُودِ، وَبِعَكْسِهِ الْكِنَايَة عَن سيّىء الْحَالِ بِالْحَاسِدِ، وَعَلَيْهِ قَوْلُ أَبِي الْأَسْوَدِ:
حَسَدُوا الْفَتَى أَنْ لَمْ يَنَالُوا سَعْيَهُ ... فَالْقَوْمُ أَعْدَاءٌ لَهُ وَخُصُومُ
كَضَرَائِرِ الْحَسْنَاءِ قُلْنَ لِوَجْهِهَا ... حَسَدًا وَبُغْضًا إِنَّهُ لَمَشُومُ
وَقَوْلُ بَشَّارِ بْنِ بُرْدٍ:
إِنْ يَحْسُدُونِي فَإِنِّي غَيْرُ لَائِمِهِمْ ... قَبْلِي مِنَ النَّاسِ أَهْلُ الْفَضْلِ قَدْ حُسِدُوا
فَدَامَ لِيَ وَلَهُمْ مَا بِي وَمَا بِهِمُ ... وَمَاتَ أَكْثَرُنَا غَيْظًا بِمَا يَجِدُ