وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِإِيلافِ بِيَاءٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ وَهِيَ تَخْفِيفٌ للهمزة الثَّانِيَة. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ «لِإِلَافٍ» الْأَوَّلَ بِحَذْفِ الْيَاءِ الَّتِي أَصْلُهَا هَمْزَةٌ ثَانِيَةٌ، وَقَرَأَهُ إِيلافِهِمْ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ مِثْلَ الْجُمْهُورِ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ «لِيلَافِ قُرَيْشٍ» بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ الْأُولَى. وَقَرَأَ «إِلَافِهِمْ» بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ.

وَذَكَرَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَالْقُرْطُبِيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ قَرَأَ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ فِي «لِإِأْلَافِ» وَفِي «إِأْلَافِهِمْ» ، وَذَكَرَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ أَنَّ تَحْقِيقَ الْهَمْزَتَيْنِ لَا وَجْهَ لَهُ.

قُلْتُ: لَا يُوجَدُ فِي كُتُبِ الْقِرَاءَاتِ الَّتِي عَرَفْنَاهَا نِسْبَةُ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ.

وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ عَاصِمًا مُوَافِقٌ لِلْجُمْهُورِ فِي جَعْلِ ثَانِيَةِ الْهَمْزَتَيْنِ يَاءً، فَهَذِهِ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ.

وَقَدْ كُتِبَ فِي الْمُصحف «إلفهم» بِدُونِ يَاءٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ وَأَمَّا الْأَلِفُ الْمَدَّةُ الَّتِي بَعْدَ اللَّامِ الَّتِي هِيَ عَيْنُ الْكَلِمَةِ فَلَمْ تُكْتَبْ فِي الْكَلِمَتَيْنِ فِي الْمُصْحَفِ عَلَى عَادَةِ أَكْثَرِ الْمَدَّاتِ مِثْلِهَا، وَالْقِرَاءَاتُ رِوَايَاتٌ وَلَيْسَ خَطُّ الْمُصْحَفِ إِلَّا كالتذكرة للقارىء، وَرَسْمُ الْمُصْحَفِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ سَنَّهَا الصَّحَابَةُ الَّذِينَ عُيِّنُوا لِنَسْخِ الْمَصَاحِفِ وَإِضَافَةِ «إِيلَافِ» إِلَى قُرَيْشٍ عَلَى مَعْنَى إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى فَاعِلِهِ وَحُذِفَ مَفْعُولُهُ لِأَنَّهُ هُنَا أُطْلِقَ بِالْمَعْنَى الِاسْمِيِّ لِتِلْكَ الْعَادَةِ فَهِيَ إِضَافَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ بِتَقْدِيرِ اللَّامِ.

وَقُرَيْشٌ: لَقَبُ الْجَدِّ الَّذِي يَجْمَعُ بُطُونًا كَثِيرَةً وَهُوَ فِهْرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ.

هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ النَّسَّابِينَ وَمَا فَوْقَ فِهْرٍ فَهُمْ مِنْ كِنَانَةَ، وَلُقِّبَ فِهْرٌ بِلَقَبِ قُرَيْشٍ بِصِيغَةِ التَّصْغِيرِ وَهُوَ عَلَى الصَّحِيحِ تَصْغِيرُ قَرْشٍ (بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ) اسْمُ نَوْعٍ مِنَ الْحُوتِ قَوِيٌّ يَعْدُو عَلَى الْحِيتَانِ وَعَلَى السُّفُنِ.

وَقَالَ بَعْضُ النَّسَّابِينَ: إِنَّ قُرَيْشًا لَقَبُ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ.

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ سُئِلَ من قُرَيْشٍ؟ فَقَالَ: مِنْ وَلَدِ النَّضْرِ» .

وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّا وَلَدَ النَّضِرِ بْنِ كنَانَة لَا نقفو أُمَّنَا وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا»

. فَجَمِيعُ أَهْلِ مَكَّةَ هُمْ قُرَيْشٌ وَفِيهِمْ كَانَتْ مَنَاصِبُ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُوَزَّعَةً بَيْنَهُمْ وَكَانَتْ بَنُو كِنَانَةَ بِخَيْفِ مِنًى. وَلَهُمْ مَنَاصِبُ فِي أَعْمَالِ الْحَجِّ خَاصَّةً مِنْهَا النَّسِيءُ.

وَقَوْلُهُ: إِيلافِهِمْ عَطْفُ بَيَانٍ مِنْ «إِيلَافِ قُرَيْشٍ» وَهُوَ مِنْ أُسْلُوبِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015