السَّفَرَةِ. وَفِيهِ بِشَارَةٌ بِأَنَّهُمْ سَيَنْشُرُونَ الْإِسْلَامَ فِي الْأُمَمِ وَقَدْ ظَهَرَ مِمَّا ذَكَرْنَا مَا لِكَلِمَةِ سَفَرَةٍ مِنَ الْوَقْعِ الْعَظِيمِ الْمُعْجِزِ فِي هَذَا الْمَقَامِ.
وَوَصْفُ كِرامٍ مِمَّا وُصِفَ بِهِ الْمَلَائِكَةُ فِي آيَاتٍ أُخْرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى كِراماً
كاتِبِينَ
[الانفطار: 11] .
وَوَصْفُ الْبَرَرَةِ وَرَدَ صِفَةً لِلْمَلَائِكَةِ
فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَوْلِهِ: «الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ» .
وَالْبَرَرَةُ: جَمْعُ بَرٍّ، وَهُوَ الْمَوْصُوفُ بِكَثْرَةِ الْبُرُورِ. وَأَصْلُ بَرٍّ مَصْدَرُ بَرَّ يَبَرُّ مِنْ بَابِ فَرِحَ، وَمَصْدَرُهُ كَالْفَرَحِ، فَهَذَا مِنْ بَابِ الْوَصْفِ بِالْمَصْدَرِ مِثْلَ عَدْلٍ وَقَدِ اخْتُصَّ الْبَرَرَةُ بِجَمْعِ بَرٍّ وَلَا يَكُونُ جَمْعَ بَارٍّ.
وَالْغَالِبُ فِي اصْطِلَاحِ الْقُرْآنِ أَنَّ الْبَرَرَةَ الْمَلَائِكَةُ وَالْأَبْرَارَ الْآدَمِيُّونَ. قَالَ الرَّاغِبُ:
«لِأَنَّ بَرَرَةً أَبْلَغُ مِنْ أَبْرَارٍ إِذْ هُوَ جَمْعُ بَرٍّ، وَأَبْرَارٌ جَمْعُ بَارٍّ، وَبَرٌّ أَبْلَغُ مِنْ بَارٍّ كَمَا أَنَّ عَدْلًا أَبْلَغُ مِنْ عَادِلٍ» .
وَهَذَا تَنْوِيهٌ بِشَأْنِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ التَّنْوِيهَ بِالْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا بَعْضُ الْقُرْآنِ فَأُثْنِيَ عَلَى الْقُرْآنِ بِفَضِيلَةِ أَثَرِهِ فِي التَّذْكِيرِ وَالْإِرْشَادِ، وَبِرِفْعَةِ مَكَانَتِهِ، وَقُدْسِ مَصْدَرِهِ، وَكَرَمِ قَرَارِهِ، وَطَهَارَتِهِ، وَفَضَائِلِ حَمَلَتِهِ وَمُبَلِّغِيهِ، فَإِنَّ تِلْكَ الْمَدَائِحَ عَائِدَةٌ إِلَى الْقُرْآنِ بطرِيق الْكِنَايَة.
[17- 22]
قُتِلَ الْإِنْسانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21)
ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (22)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ نَشَأَ عَنْ ذِكْرِ مَنِ اسْتَغْنَى فَإِنَّهُ أُرِيدَ بِهِ مُعَيَّنٌ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ، وَذَلِكَ يُبَيِّنُهُ مَا وَقَعَ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي دَارَ بَيْنَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ صَنَادِيدِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ.
وَالْمُنَاسَبَةُ وَصْفُ الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ تَذْكِرَةٌ لِمَنْ شَاءَ أَنْ يَتَذَكَّرَ، وَإِذْ قَدْ كَانَ أَكْبَرُ