وَالْمُرَادُ: قُلُوبُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَجْحَدُونَ الْبَعْثَ فَإِنَّهُمْ إِذَا قَامُوا فَعَلِمُوا أَنَّ مَا وَعَدَهُمُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ حَقٌّ تَوَقَّعُوا مَا كَانَ يُحَذِّرُهُمْ مِنْهُ مِنْ عِقَابِ إِنْكَارِ الْبَعْثِ وَالشِّرْكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِهِمْ.
فَأَمَّا قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ فِيهَا اطْمِئْنَانًا مُتَفَاوِتًا بِحَسَبِ تَفَاوُتِهِمْ فِي التَّقْوَى.
وَالْخَوْفُ يَوْمَئِذٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَخْلُو مِنْهُ أَحَدٌ إِلَّا أَنَّ أَشَدَّهُ خَوْفُ الَّذِينَ يُوقِنُونَ بِسُوءِ الْمَصِيرِ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا ضَالِّينَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.
وَالْوَاجِفَةُ: الْمُضْطَرِبَةُ مِنَ الْخَوْفِ، يُقَال: وجف كضرف وَجْفًا وَوَجِيفًا، وَوُجُوفًا، إِذَا اضْطَرَبَ.
وواجِفَةٌ خَبَرُ قُلُوبٌ وَجُمْلَةُ أَبْصارُها خاشِعَةٌ خَبَرٌ ثَانٍ عَنْ قُلُوبٌ وَقَدْ زَادَ الْمُرَادَ مِنَ الْوَجِيفِ بَيَانًا قَوْلُهُ أَبْصارُها خاشِعَةٌ، أَيْ أَبْصَارُ أَصْحَابِ الْقُلُوبِ.
وَالْخُشُوعُ حَقِيقَتُهُ: الْخُضُوعُ وَالتَّذَلُّلُ، وَهُوَ هَيْئَةٌ لِلْإِنْسَانِ، وَوَصْفُ الْأَبْصَارِ بِهِ مَجَازٌ فِي الِانْخِفَاضِ وَالنَّظَرِ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ مِنْ شِدَّةِ الْهَلَعِ وَالْخَوْفِ مِنْ فَظِيعِ مَا تُشَاهِدُهُ مِنْ سُوءِ الْمُعَامَلَةِ قَالَ تَعَالَى: خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ فِي سُورَةِ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ [7] . وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ [الْقِيَامَة: 24] .
وَإِضَافَةُ (أَبْصَارُ) إِلَى ضَمِيرِ الْقُلُوبِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ لِأَنَّ الْأَبْصَارَ لِأَصْحَابِ الْقُلُوبِ وَكِلَاهُمَا مِنْ جَوَارِحِ الْأَجْسَادِ مِثْلَ قَوْلِهِ: إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها [النازعات: 46] .
[10، 11]
يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (10) أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (11)
اسْتِئْنَافٌ إِمَّا ابْتِدَائِيٌّ بَعْدَ جُمْلَةِ الْقَسَمِ وَجَوَابِهِ، لِإِفَادَةِ أَنَّ هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ سَيَكُونُونَ أَصْحَابَ الْقُلُوبِ الْوَاجِفَةِ وَالْأَبْصَارِ الْخَاشِعَةِ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ.
وَإِمَّا اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّ الْقَسَمَ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الْوَعِيدِ يُثِيرُ سُؤَالًا فِي نَفْسِ