وَالرَّجْفُ: الِاضْطِرَابُ وَالِاهْتِزَازُ وَفِعْلُهُ مِنْ بَابِ نَصَرَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ فِعْلٌ قَاصِرٌ وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا، فَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِسْنَادُ تَرْجُفُ إِلَى الرَّاجِفَةُ حَقِيقِيًّا، فَالْمُرَادُ بِ الرَّاجِفَةُ: الْأَرْضُ لِأَنَّهَا تَضْطَرِبُ وَتَهْتَزُّ بِالزَّلَازِلِ الَّتِي تَحْصُلُ عِنْدَ فَنَاءِ الْعَالَمِ الدُّنْيَوِيِّ وَالْمَصِيرِ إِلَى الْعَالَمِ الْأُخْرَوِيِّ قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ [المزمل: 14] وَقَالَ: إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا [الْوَاقِعَة: 4] وَتَأْنِيثُ الرَّاجِفَةُ لِأَنَّهَا الْأَرْضُ، وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ أَنَّ رَجْفَةً أُخْرَى تَتَبَعُ الرَّجْفَةَ السَّابِقَةَ لِأَنَّ صِفَةَ الرَّاجِفَةُ تَقْتَضِي وُقُوعَ رَجْفَةٍ، فَالرَّادِفَةُ رَجْفَةٌ ثَانِيَةٌ تَتْبَعُ الرَّجْفَةَ الْأُولَى.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِسْنَادُ تَرْجُفُ إِلَى الرَّاجِفَةُ مَجَازًا عَقْلِيًّا، أَطْلَقَ الرَّاجِفَةُ عَلَى سَبَبِ الرَّجْفِ.

فَالْمُرَادُ بِ الرَّاجِفَةُ الصَّيْحَةُ وَالزَّلْزَلَةُ الَّتِي تَرْجُفُ الْأَرْضُ بِسَبَبِهَا جُعِلَتْ هِيَ الرَّاجِفَةَ مُبَالَغَةً كَقَوْلِهِمْ: عِيشَةٌ رَاضِيَةٌ، وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ: تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ أَيْ تَتْبَعُ تِلْكَ الرَّاجِفَةَ، أَيْ مُسَبِّبَةُ الرَّجْفِ رَادِفَةٌ، أَيْ وَاقِعَةٌ بَعْدَهَا.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّجْفُ مُسْتَعَارًا لِشِدَّةِ الصَّوْتِ فَشُبِّهَ الصَّوْتُ الشَّدِيدُ بِالرَّجْفِ وَهُوَ التَّزَلْزُلُ.

وَتَأْنِيثُ الرَّاجِفَةُ عَلَى هَذَا لِتَأْوِيلِهَا بِالْوَاقِعَةِ أَوِ الْحَادِثَةِ.

وتَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ: التَّالِيَةُ، يُقَالُ: رَدِفَ بِمَعْنَى تَبِعَ، وَالرَّدِيفُ: التَّابِعُ لِغَيْرِهِ، قَالَ تَعَالَى: أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (?) [الْأَنْفَال: 9] ، أَيْ تَتْبَعُ الرَّجْفَةَ الْأُولَى، ثَانِيَةٌ، فَالْمُرَادُ: رَادِفَةٌ مِنْ جِنْسِهَا وَهُمَا النَّفْخَتَانِ اللَّتَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر: 68] .

وَجُمْلَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ حَالٌ مِنَ الرَّاجِفَةُ وَتَنْكِيرُ قُلُوبٌ لِلتَّكْثِيرِ، أَيْ قُلُوبٌ كَثِيرَةٌ وَلِذَلِكَ وَقَعَ مُبْتَدَأً وَهُوَ نَكِرَةٌ لِإِرَادَةِ النَّوْعِيَّةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015