وَالْمِلْكُ فِي قَوْلِهِ: لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً مَعْنَاهُ الْقُدْرَةُ وَالِاسْتِطَاعَةُ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَتَصَرَّفُ فِيمَا يَمْلِكُهُ حَسَبَ رَغْبَتِهِ لَا رَغْبَةِ غَيْرِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنِ غَيْرِهِ.

فَنَفْيُ الْمِلْكِ نَفْيٌ لِلِاسْتِطَاعَةِ.

وَقَوْلُهُ: مِنْهُ حَالٌ مِنْ خِطاباً وَأَصْلُهُ صِفَةٌ لِخِطَابٍ فَلَمَّا تَقَدَّمَ عَلَى مَوْصُوفِهِ صَارَ حَالًا.

وَحَرْفُ (مِنْ) اتِّصَالِيَّةٌ وَهِيَ ضَرْبٌ من الابتدائية فَهِيَ ابتدائية مَجَازِيَّةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ [الممتحنة: 4] فَ (مِنْ) الْأُولَى اتِّصَالِيَّةٌ وَالثَّانِيَةُ لِتَوْكِيدِ النَّصِّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي وَقَوْلُهُ تَعَالَى:

وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ [آل عمرَان: 28] ، أَيْ لَا يَسْتَطِيعُونَ خِطَابًا يُبَلِّغُونَهُ إِلَى اللَّهِ.

وَضَمِيرُ لَا يَمْلِكُونَ عَائِدٌ إِلَى (مَا) الْمَوْصُولَةِ فِي قَوْلِهِ: وَما بَيْنَهُمَا لِأَنَّهَا صَادِقَةٌ عَلَى جَمِيعِهِمْ.

وَالْخِطَابُ: الْكَلَامُ الْمُوَجَّهُ لِحَاضِرٍ لَدَى الْمُتَكَلِّمِ أَوْ كَالْحَاضِرِ الْمُتَضَمِّنِ إِخْبَارًا أَوْ طَلَبًا أَوْ إِنْشَاءَ مَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ.

وَفِعْلُ يَمْلِكُونَ يَعُمُّ لِوُقُوعِهِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ كَمَا تَعُمُّ النَّكِرَةُ الْمَنْفِيَّةُ. وخِطاباً عَامٌّ أَيْضًا وَكِلَاهُمَا مِنَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ بِمُخَصَّصٍ مُنْفَصِلٍ كَقَوْلِهِ عَقِبَ هَذِهِ الْآيَةِ لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً [النبأ: 38] وَقَوْلِهِ: يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ [هود: 105] وَقَوْلِهِ: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [الْبَقَرَة: 255] وَقَوْلِهِ: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى [الْأَنْبِيَاء: 28] .

وَالْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا إِبْطَالُ اعْتِذَارَ الْمُشْرِكِينَ حِينَ اسْتَشْعَرُوا شَنَاعَةَ عِبَادَتِهِمُ الْأَصْنَامَ الَّتِي شَهَّرَ الْقُرْآنُ بِهَا فَقَالُوا: هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ [يُونُس: 18] ، وَقَالُوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [الزمر: 3] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015