يُغَيِّرُوهُ قَالَ تَعَالَى: وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ [الْأَنْفَال: 34] ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَفِي آيَةِ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ [الْبَقَرَة: 114] بِلَفْظِ مَساجِدَ لِيَدْخُلَ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ فِعْلِهِمْ مَعَهُمْ فِي هَذَا الْوَعِيدِ مِمَّنْ شَاكَلَهُمْ مِمَّنْ غَيَّرُوا الْمَسَاجِدَ، أَوْ لِتَعْظِيمِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، كَمَا جَمَعَ رُسُلِي فِي قَوْلِهِ: فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ [سبأ: 45] ، عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يكون ضمير فَكَذَّبُوا عَائِدًا إِلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قَوْلِهِ:

وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [سبأ: 43] أَيْ كَذَّبُوا رَسُولِي.

وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ [الْفرْقَان: 37] يُرِيدُ نُوحًا، وَهُوَ أَوَّلُ رَسُولٍ فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْجَمْعِ.

وَفُرِّعَ عَلَى اخْتِصَاصِ كَوْنِ الْمَسَاجِدِ بِاللَّهِ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا، وَهَذَا إِلْزَامٌ لَهُمْ بِالتَّوْحِيدِ بِطَرِيقِ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ أَهْلُ بَيْتِ اللَّهِ فَعِبَادَتُهُمْ غَيْرَ اللَّهِ مُنَافِيَةٌ لزعمهم ذَلِك.

[19- 20]

[سُورَة الْجِنّ (72) : الْآيَات 19 إِلَى 20]

وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20)

قَرَأَ نَافِعٌ وَحْدَهُ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ. وَقَرَأَهُ بَقِيَّةُ الْعَشَرَةِ فِي رِوَايَاتِهِمُ الْمَشْهُورَةِ بِالْفَتْحِ.

وَمَآلُ الْقِرَاءَتَيْنِ سَوَاءٌ فِي كَوْنِ هَذَا خَارِجًا عَمَّا صَدَرَ عَنِ الْجِنِّ وَفِي كَوْنِهِ مِمَّا أَوْحَى اللَّهُ بِهِ.

فَكَسْرُ الْهَمْزَةِ عَلَى عَطْفِ الْجُمْلَةِ عَلَى جُمْلَةِ أُوحِيَ إِلَيَّ [الْجِنّ: 1] ، وَالتَّقْدِيرُ: وَقُلْ إِنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ لِأَنَّ هَمْزَةَ (إِنَّ) إِذَا وَقَعَتْ فِي مَحْكِيٍّ بِالْقَوْلِ تُكْسَرُ، وَلَا يَلِيقُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ حِكَايَةِ مَقَالَةِ الْجِنِّ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدِ انْقَضَى وَتَبَاعَدَ وَنُقِلَ الْكَلَامُ إِلَى أَغْرَاضٍ أُخْرَى ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ: وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ [الْجِنّ: 18] .

وَأَمَّا الْفَتْحُ فَعَلَى اعْتِبَارِهِ مَعْطُوفًا عَلَى جُمْلَةِ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ [الْجِنّ: 1] ، أَيْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ، أَيْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ اقْتِرَابَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا لِبَدًا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ لَمَّا قَامَ يَدْعُو رَبَّهُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015