وَأَمَّا مَوْقِعُ تَفْرِيعِ قَوْلِهِ: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ فَهُوَ شَدِيدُ الْاتِّصَالِ بِمَا اسْتَتْبَعَهُ فَرْضُ التَّقَوُّلِ مِنْ تَأْيِيسِهِمْ مِنْ أَنْ يَتَقَوَّلَ عَلَى اللَّهِ كَلَامًا لَا يَسُوءُهُمْ، فَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ أَحْوَالِ التَّقَوُّلِ لَوْ أَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ فَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ أَنْ يَحْجِزَ عَنْهُ ذَلِكَ الْعِقَابَ، وَبِدُونِ هَذَا الْاتِّصَالِ لَا يَظْهَرُ مَعْنَى تَعْجِيزِهِمْ عَنْ نَصْرِهِ إِذْ لَيْسُوا مِنَ الْوَلَاءِ لَهُ بِمَظِنَّةِ نَصْرِهِ، فَمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ يَحُومُ حَوْلَ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً [الْإِسْرَاء: 73- 75] .
وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: مِنْكُمْ لِلْمُشْرِكِينَ.
وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ أَحَدٍ وَهُوَ مُفْرَدٌ بِ حاجِزِينَ جَمْعًا لِأَنَّ أَحَدٍ هُنَا وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ مُفْرَدًا فَهُوَ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ لِأَنَّ أَحَدٍ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى ذَاتٍ أَوْ شَخْصٍ لَا يَقَعُ إِلَّا فِي سِيَاقِ النَّفْيِ مِثْلُ عَرِيبٍ، وَدَيَّارٍ وَنَحْوِهِمَا مِنَ النَّكِرَاتِ الَّتِي لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا مَنْفِيَّةً فَيُفِيدُ الْعُمُومَ، أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجْزَ عَنْهُ وَيَسْتَوِي فِي لَفْظِهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ قَالَ تَعَالَى: لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [الْبَقَرَة: 285] وَقَالَ: لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ [الْأَحْزَاب: 32] .
وَالْمَعْنَى: مَا مِنْكُمْ أُنَاسٌ يَسْتَطِيعُونَ الْحَجْزَ عَنْهُ.
وَالْحَجْزُ: الدَّفْعُ وَالْحَيْلُولَةُ، أَيْ لَا أَحَدَ مِنْكُمْ يَحْجِزُنَا عَنْهُ. وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى رَسُولٍ كَرِيمٍ [الحاقة: 40] .
ومِنْ فِي قَوْلِهِ: مِنْ أَحَدٍ مَزِيدَةٌ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ وَلِلتَّنْصِيصِ عَلَى الْعُمُومِ. وَذُكْرُ مِنْكُمْ مَعَ عَنْهُ تَجْنِيسٌ مُحَرَّفٌ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُبْقِي أَحَدًا يَدَّعِي أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْهِ كَلَامًا يُبَلِّغُهُ إِلَى النَّاس، وَأَنه يَجْعَل بِهَلَاكِهِ.
فَأَمَّا من يَدعِي النبوءة دُونَ ادِّعَاءِ قَوْلٍ أُوحِيَ إِلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ يُهْلِكُهُ بَعْدَ حِينٍ كَمَا كَانَ فِي أَمْرِ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ الَّذِي ادّعى النبوءة بِالْيَمَنِ، وَمُسَيْلَمَةَ الْحَنَفِيِّ الَّذِي