وَالْيَمِينُ: الْيَدُ الْيُمْنَى كُنِّيَ بِهَا عَنِ الْاهْتِمَامِ بِالتَّمَكُّنِ مِنَ الْمَأْخُوذِ، لِأَنَّ الْيَمِينَ أَقْوَى عَمَلًا مِنَ الشِّمَالِ لِكَثْرَةِ اسْتِخْدَامِهَا فَنِسْبَةُ التَّصَرُّفِ إِلَيْهَا شَهِيرَةٌ.
وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [224] وَقَوْلُهُ: وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [17] وَقَوْلُهُ: وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ [48] .
وَقَالَ أَبُو الْغُولِ الطَّهَوِيُّ:
فَدَتْ نَفْسِي وَمَا مَلَكَتْ يَمِينِي ... فَوَارِسَ صَدَّقُوا فِيهِمْ ظُنُونِي
وَالْمَعْنَى: لَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا عَاجِلًا فَقَطَعْنَا وَتِينَهُ، وَفِي هَذَا تَهْوِيلٌ لِصُورَةِ الْأَخْذِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى نَحْوِ: لَأَهْلَكْنَاهُ.
ومِنْهُ مُتَعَلِّقٌ بِ (أَخَذْنَا) تَعَلُّقَ الْمَفْعُولِ بِعَامِلِهِ. وَ (مِنْ) زَائِدَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَى رَأْيِ الْأَخْفَشِ وَالْكُوفِيِّينَ وَهُوَ الرَّاجِحُ. وَقَدْ بَيَّنْتُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ [الْأَنْعَام: 99] ، فَإِنَّ النَّخْلِ مَعْطُوفٌ عَلَى خَضِراً بِزِيَادَةِ مِنْ وَلَوْلَا اعْتِبَارُ الزِّيَادَةِ لَمَا اسْتَقَامَ الْإِعْرَابُ إِلَّا بِكُلْفَةٍ، وَفَائِدَةُ مِنْ الزَّائِدَةِ فِي الْكَلَامِ أَنَّ أَصْلَهَا التَّبْعِيضُ الْمَجَازِيُّ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيحِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: نَأْخُذُ بَعْضَهُ.
والْوَتِينَ: عِرْقٌ مُعَلَّقٌ بِهِ الْقَلْبُ وَيُسَمَّى النِّيَاطُ، وَهُوَ الَّذِي يَسْقِي الْجَسَدَ بِالدَّمِ وَلِذَلِكَ يُقَالُ لَهُ: نَهْرُ الْجَسَدِ، وَهُوَ إِذَا قُطِعَ مَاتَ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُقْطَعُ عِنْدَ نَحْرِ الْجَزُورِ. فَقَطْعُ الْوَتِينِ مِنْ أَحْوَالِ الْجَزُورِ وَنَحْرِهَا، فَشَبَّهَ عِقَابَ مَنْ يُفْرَضُ تَقَوُّلُهُ عَلَى اللَّهِ بِجَزُورٍ تُنْحَرُ فَيُقْطَعُ وَتِينُهَا.
وَلَمْ أَقِفْ عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يُكَنُّونَ عَنِ الْإِهْلَاكِ بِقَطْعِ الْوَتِينِ، فَهَذَا مِنْ مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآنِ.
ومِنْهُ صِفَةٌ لِلْوَتِينِ، أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِ (قَطَعْنَا) ، أَيْ أَزَلْنَاهُ مِنْهُ.
وَبَيْنَ مِنْهُ الْأُولَى ومِنْهُ الثَّانِيَةِ مُحَسِّنُ الْجِنَاسِ.