في الشعر العربي، أو سار على الطرق التي استحدثت من هذه التي ذكرت آنفًا أو استحدث الشاعر لنفسه أوزانًا جديدة؟ وعلى أي أساس تقوم؟
وهناك -إلى جانب الموسيقا الخارجية الوزن والقافية- الموسيقا الداخلية، وهي ذات جانبين هامين: اختيار الكلمات وترتيبها، والمواءمة بين الكلمات والمعاني التي تدل عليها، أما الجانب الأول -وهو اختيار الكلمات وترتيبها- فيتبدى في حسن اختيار الشاعر لألفاظه ومعرفته بالحسن منها والمستهجن، وملاءمته بين ألفاظه حتى لكأنها سبكت سبكًا واحدًا، هذا التخير للألفاظ، والدقة فيه، وهذه الملائمة الدقيقة بين الألفاظ وما يتبعها من تلاحم وامتزاج، يمثل الجانب الأول من هذه الموسيقا الداخلية، ويمكن أن ندخل في هذا الجانب أنماطًا متعددة من الموسيقا الداخلية، تظهر في التصريع، والتنويع، والازدواج، والتقسيم، والجناس، والطباق. أما الجانب الثاني، وهو المواءمة بين الكلمات والمعاني التي تدل عليها، فيعني أن يختار الشاعر لموضوعاته الشعرية الألفاظ التي تناسبها، فيختار للحماسة الألفاظ القوية "الجزلة" وللغزل الألفاظ الرقيقة "السهلة" التي تشبه أنسام الصباح، وللفخر الألفاظ القوية التي تشي بالقوة والاعتزاز لدى الشاعر. وهذا الجانب الثاني ليس منفصلًا عن الأول، بل هما وجهان لعملة واحدة؛ ومن هنا كان لا بد من مراعاتهما معًا، وما الفصل بينهما -هنا- إلا من باب التوضيح.
على دارس النص أن يراعي هذه الجوانب للموسيقا الداخلية، وأن يكشف عما فيها من إيقاعات موسيقية تمنح النص جمالًا.