ولعل إطلاق مصطلح "موسيقا الشعر" مقصودًا به الوزن والقافية إطلاق له وجاهته، ذلك لأن "الشعر هو في الدرجة الأولى موسيقا، يشبهها في الوزن وانسجام الأصوات وترجيعها بصورة متسقة بين طويل وقصير، وضعيف وقوي، ولكن وقفات القصيدة لا يضبطها العدد بالدقة التي تنضبط بها وقفات الموسيقا. والشعر موسيقا أيضًا في قافيته، فهي تصور المقطع الذي تنتهي به أبيات القصيدة، ويتردد وقعه في أواخر كل بيت، بحيث تبدو نغمته صدى يتردد بصورة قياسية، ينتظره السامع ويستعد له.
إن على دارس النص أن يتوجه بالدراسة والتحليل إلى هذ العنصر الموسيقي الظاهر، وهما الوزن والقافية ليرى هل وفق الشاعر في اختيار هذا البحر أو ذاك لقصيدته؟ وهل وافق البحر الغرض الذي احتوته القصيدة؟ وهل وفق أيضًا في اختيار قافيته؟ وهل وافقت القافية الغرض كذلك؟
لكن هذه الصياغة الموسيقية الأم للقصيدة العربية -نعني بها الوزن والقافية- جوبهت بتغييرات عدة عبر تاريخ الأدب العربي، تغييرات ظلت تربط الشعر بالموسيقا، لكنها حاولت أن تطور في هذه الموسيقا، وفاقًا للظروف المتغيرة التي اقتضت في نظرهم إحداث تغيير في نظام الصياغة الموسيقية العربية التقليدي، انتهى -في النهاية- إلى تلك الأساليب الموسيقية المستحدثة، وهي الموشحات، والشعر الحر، وقصيدة النثر2.
وعلى دارس النص أن يتتبع هذه التغيرات الموسيقية التي جدت في الأوزان الخليلية وهو يدرس موسيقا النص؛ ليرى هل جرى الشاعر على النمط المعاد.