يتوصل إلى استرجاع ماله.
ولأنا بينا أن القضاء لا يقع بالبينة مع الإقرار، فإذا جوزنا أن يكون مقرًا أو جاحدًا، فالحكم بأحد الأمرين وهو سبب مجهول، وذلك لا يجوز كما لا يجوز إذا شهد أربعة، فزكى منهم شاهدان بغير أعيانهما، لم يجز أن يحكم بهذه الشهادة بجهالة السبب المحكوم به.
32537 - قالوا: قال أبو حنيفة: يقضى على الغائب بنفقة زوجته.
32538 - قلنا: هذا كان قول أبي حنيفة، فرجع عنه، ذكر رجوعه في الأصل.
32539 - قالوا: إذا حضرت المرأة زوجة الغائب فأحضرت رجلًا في يده وديعة لزوجها، فاعترف بالزوجية والوديعة قضى القاضي عليه بالنفقة، وذلك قضاء على الغائب.
32540 - قلنا: هذا الرجل اعترف بوجوب حقها فيما في يده من المال وهو له في الظاهر ولم يحكم به للغائب بإقراره، لجواز أن يكذبه فيه صار القضاء متوجهًا على الحاضر لازمًا للغائب حكمًا.
32541 - فإن قيل: فلو حضر غريم الغائب، لم يقض له على المودع بشيء.
32542 - قلنا: هذا لا يلزمنا؛ لأن القضاء عندنا إن كان على الحاضر لم يلزم أن يقضي على الحاضر يعترف به. على أن الفرق ينهما واضح؛ لأن الدين في ذمة القائم يحتاج أن يملكه له بما يقضي من الوديعة، فلا يجوز التمليك مع غيبته، وأما النفقة: فلم تثبت في الذمة، وإنما يجعلها القاضي في المال ابتداًء، فتصير كالاستحقاق. ولهذا لو طلبت نفقة ما مضى، لم يقض لها؛ لأنها صارت في الذمة فهي كالديون.
32543 - قالوا: لو حضر له رجل، فأقر أنه باع العبد الذي في يته من فلان الغائب، وطلب الثمن باعه القاضي له وسلمه ثمنه، وهذا قضاء على الغائب.
32544 - قلنا: هذا محمول على أن المشتري غاب ولا يعلم مكانه، فيصير مفقودًا، فيلي القاضي عليه في حفظ ماله، وينصب له وكيلًا بقبض العبد ويأمره ببيعه، ويسمع البينة على الوكيل، فلا يكون القضاء على الغائب إلا وقد حضر من قام مقامه بتنصيب الحاكم كما ينصب للميت وصيًا ويسمع عليه البينة، ويأمر بقضاء دونه.
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وصلى الله على أشرف خلقه محمد وآله وصحبه وسلم.