نعلم بذل الطاعة منها فيما سبق، وكيف نحمل الأمر على أن الوجوب تعلق بذلك، وأقل الأحوال أن يكون الأمر محتملاً، ويجوز أن يكون الفريضة أدركته بالمال، ويجوز أن يكون بالطاعة فلا يصح التعلق به مع الاحتمال.
7145 - فإن قيل: قوله (حجي عن أبيك) يقتضي الوجوب عليها بالبذل.
7146 - قلنا: فهي مخيرة عندكم وإن بذلت. فكيف نحمل الأمر على الوجوب؟ ولأنها سألت عن جواز الأداء، فبين لها ما سألت عنه، ولو بدا لم يسأل عن مال الأب، وعن أمره لها بالحج.
7147 - قالوا: إذا كان له مال وجب الحج؛ لأنه يحصل به من يحج عنه، فإذا حصلت الطاعة حصل المبتغى بالمال فوجب الحج، ألا ترى: أن الصحيح يجب عليه الحج بوجود المال، فإذا حصل بمكة لم يحتج إليه؛ لأنه حصل له ما يطلب به.
7148 - قالوا: ولأن وجود الطاعة أبلغ من وجود المال وأبلغ من وجود ثمنه، ووجود الرقبة أبلغ من ثمنها، فإذا وجب الحج بالمال صار طاعة.
7149 - وإن قلنا: لا نسلم أنه يحصل بالطاعة ما يبتغي بالمال؛ لأن هذه عبادة مالية عندنا، فإذا بذل له المال حصل له ثوابه، وإذا لم يحصل لم يوجد ذلك، فلم نسلم لهم أن المطلوب بالمال يحصل بالطاعة؛ ولأن بملك المال يحصل من يجب عليه النيابة، وبالطاعة يحصل له من يجوز له النيابة، وهو بالخيار إن شاء وفى بها، وإن شاء انتفع، فكيف يقال: حصل له بأحد الأمرين ما يحصل بالآخر؟ فأما المال والرقبة فالفرض يتعلق بهما، فوجودهما أبلغ من وجود ثمنهما، والفرض ههنا عنده هو دفع المال ليحصل الثواب بإنفاقه في سفر الحج، وبالطاعة لا يحصل هذا، فكيف تكون الطاعة أبلغ من المال؟ ولأن الصحيح يجب عليه الحج، ولم يكن وجود ذلك كوجود الزاد والراحلة، كذلك ههنا.