في قصة التتار رأينا كيف تحول مسار التاريخ تماماً بظهور رجل معين هو قطز رحمه الله، كما تحول مساره تماماً قبل ذلك أيضاً في نفس القصة بظهور رجل آخر هو جنكيز خان لعنه الله، وشتان بين الشخصيتين مع أن كليهما مغير، فلقد كان لكل منهما تأثير مهول أثر في الملايين وفي جغرافية الأرض وحركة التاريخ، ولكن شتان بين الأثرين.
أما الأثر الأول: فقد استمد قوته من قوة الإيمان والروح وشريعة الإسلام.
وأما الأثر الثاني: فقد استمد قوته من قوة الجسد والسلاح وشريعة الغاب، ومن السهل جداً أن تدمر، ولكن من الصعب جداً أن تبني، ومن السهل جداً أن تظلم، ولكن من الصعب جداً أن تعدل، ومن السهل جداً أن تغضب، ولكن من الصعب جداً أن تعفو، وهذه هي روعة الإسلام.
وقطز إنسان كما أن جنكيز خان إنسان، ولكن الأول جمّل إنسانيته بالإسلام، والثاني حرم الإسلام، فتغيرت حركة التاريخ تبعاً لذلك، وقطز بنى حضارة الإنسان، واستحق أن يكون خليفة في الأرض، قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30]، وجنكيز خان هدم حضارة الإنسان، واستحق بذلك أن يكون مسخاً ملعوناً، قال تعالى: {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف:18]، وأمثال جنكيز خان في الأرض كثير، وعلى عكس ذلك فأمثال قطز في الأرض قليل؛ لأنه كما ذكرنا ما أسهل التدمير وما أصعب البناء، {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116].