مقتل الملك المعز وشجرة الدر

في سنة (655هـ) وبعد مرور سبع سنوات كاملة على حكم الملك المعز عز الدين أيبك أراد هذا الملك أن يثبت أقدامه بصورة أكبر في المنطقة، فأراد أن يعمل حلفاً، ولكنه خشي عليه المؤامرات والمكائد والخيانة التي كثرت في هذا الزمن، فأراد أن يوثقه برباط غليظ لا يفصم بسهولة، وهو الزواج، فأحب أن يتزوج من بنت أو أخت ملك من ملوك المنطقة، ويوحد جيشه مع جيش هذا الملك حتى تصبح لهما السيطرة على المنقطة بأكملها، فاختار بنت حاكم الموصل الأمير الخائن الذي تكلمنا عليه كثيراً قبل ذلك بدر الدين لؤلؤ، فعرفت شجرة الدر بهذا الأمر فاشتعلت الغيرة في قلبها، فركبها الهم والغم، وعلمت أنه لو تم هذا الزواج الجديد فستطوى شجرة الدر تماماً من التاريخ، وأعمتها الكراهية عن حسن تقدير الأمور، ونسيت الحكمة التي تميزت بها، ولم تقدر أن زعماء المماليك البحرية قد هربوا إلى الشام، وأن القوة الحقيقية الآن في أيدي المماليك المعزية، الذين يدينون بالولاء والطاعة للملك المعز عز الدين أيبك، فلم تقدر كل ذلك، وقررت بعاطفة المرأة أن تقدم على خطوة غير مدروسة، وهي قتل الزوج الملك المعز عز الدين أيبك، وليكن ما يكون، وبالفعل دبرت مؤامرة لئيمة لقتل زوجها الملك، وتم تنفيذ المؤامرة فعلاً في شهر ربيع الأول سنة (655) من الهجرة، وانتهى بذلك حكم الملك المعز عز الدين أيبك بعد سبع سنوات من جلوسه على عرش مصر، وبهذا تكون شجرة الدر قتلت اثنين من سلاطين مصر: توران شاه من قبل، وعز الدين أيبك، وعلم الجميع بجريمة القتل، فأسرع سيف الدين قطز قائد الجيش والذارع اليمنى للملك المعز عز الدين أيبك ومعه ابن عز الدين أيبك من زوجته الأولى نور الدين علي وكان عمره (15) سنة، أسرعا ومعهما فرقة من المماليك المعزية وألقيا القبض على شجرة الدر، وطلبت أم نور الدين علي وزوجة الملك المعز عز الدين أيبك الأولى أن يترك لها الأمر في التصرف مع ضرتها شجرة الدر، وكانت النهاية المأساوية المشهورة أن أمرت أم نور الدين جواريها أن يقتلن الملكة السابقة ضرباً بالقباقيب، ولعل هذا هو حادث القتل الوحيد في القصة الذي له خلفية شرعية مقبولة، فـ شجرة الدر قتلت عز الدين أيبك دون مبرر معقول، فليس الزواج من امرأة أخرى جريمة، وليس الانفراد بالحكم دون الانصياع لحكم الزوجة جريمة، ولذلك لم يكن لديها مسوغ شرعي للقتل، فكان لابد أن تقتل، ولكن من المؤكد أن الطريقة التي قتلت بها لم تكن طريقة شرعية أبداً، بل كانت طريقة نسائية بحتة، لم يقصد منها القصاص فقط، بل قصد منها الإهانة والتحقير والذل، مثل ما فعل بـ المستعصم بعد ذلك عند سقوط بغداد، عندما قتل رفساً بالأقدام، وهذه نهايات خاصة جداً يكتبها الله عز وجل لبعض الملوك، ممن لم يرع لله عز وجل حقاً، ولم يرع للشعب حقاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015