أحدُها: أنّ حدوثَ الحرفِ عن الإِشباعِ خلافُ القياس وهو شاذٌّ وبابه الشّعر للضّرورة.
والثاني: أن، ما كان من أجل الإِشباع غير لازم، بل إن شاء أتى به وإن شاء لم يأتِ، وها هنا ذكر هذه الحروف لازمٌ، فلم يكن عن الإشباع.
والثالثُ: أنّ ذلك يُفضي في بعض الأَسماء أن يكون الاسمُ الظاهر على حرفٍ واحد وهو فوك وذو مال وهو من أبعد الأشياء.
والرابعُ: أنّها لو كانت للإِشباع لخالَفت بقيّةَ المحذوفات نحو: ((دَمٍ)) و ((يَدٍ)) فإنَّها لا تَختلفُ مع أنّ الحركات موجودةٌ فيها والأصلُ عدمِ الاختلاف.
وأمّا مذهبُ أبي عليّ فهو أقربُ المذاهبِ؛ وذاكَ أنّه وَجَدَ هذه الحروفَ لاماتِ الكلمةِ فمن هاهنا هي حروفُ إعراب، ووجدها دالّة على الإعراب فقضى بها حكماً للدّليل، وغير ممتنع أن يكون الشيء الواحد دالاً على أشياء، أَلا تَرى أنَّ التاءَ أنَّ التاءَ في قولك: ((هي تقومُ)) حرفُ المضارعة ودليلُ التأنيث وفي قولِكَ: ((أنتَ تقومُ)) هي حرفُ المضارعةِ ودَليلُ الخِطابِ.
ولأَصحابِ سِيبويهِ أن يَقولوا إنّه ليس كلُّ مقدّرٍ عليه دَلِيلٌ من اللّفَظِ بدليلِ المَقْصُورِ فإِنَّ الإعرابَ فيه مُقدَّرٌ وليس له لفظٌ يَدُلُّ عليه، كذلك هَاهُنا.