أحدُهما: أنَّ تقديمَ المُستثنى على المُستثنى منه واقعٌ بعدَ العاملِ، أَلا ترى أنَّ قولَك: ما قامَ إلا زيداً أحدٌ ((إلا زيداً)) هو بعدَ العاملِ وهو قامَ، وليس كذلك هاهُنا، فإنه واقعٌ قبلَ العامِلِ، والفرقُ بينهما ظاهرٌ، أَلا تَرى أنَّ قولك: كانت زيداً الحُمَّى إذا لَم تقدّر في ((كان)) ضميرُ الشَّأنِ لا يَجُوز، لِوُقُوعِ الفَصل بَيْنَ العامِلِ والمعمولِ بالأَجنَبِيِّ، فإذا لَم يجزْ الفصلُ فالتَّقديمُ أَولى ألاَّ يجوزَ.
والثاني: أنَّ ((إلا)) مع ما بعدَها لا تُجرى مُجرى المفعولِ؛ لأنه حَدثَ فيه معنى بـ ((إلا))، بخلافِ قولِكَ: قامَ القومُ إلاّ زيداً؛ فإنَّ: ((إلاَّ)) وزيداً يشتملُ على معنيين، يفترقان إلى ما يكونُ معناه سابقاً عليهما، وصارَ هذا كما في حَرفِ العَطفِ فإنَّه لما تَقَدَّمَ عليه ما يَتَعَلَّقُ به معناه لَم يجز تقديمُهُ، كقولِكَ: قامَ زيدٌ وعمرٌو ولو قلتَ: وعمروٌ قامَ زيدٌ لم يَجُز، يدلُّ عليه أن من مَذهبهم أنَّ ((إِلاَّ)) مركبة من ((أن))، و ((لا)) وتقديمُ هذا المَعنى على الاستثناء خطأٌ، والله أعلمُ بالصَّواب.