وحجّةُ الأولين من أوجهٍ ثلاثةِ:
أحدُهما: أن نون الوقايةِ تَلحق هذا البناء كقولك: ما أَعلمني وهذه النُّون لا تلحقُ الأسماءَ، إذ لا يُستنكر كَسر آخرَ الاسمِ وإنّما يُستنكَرُ كسر آخر الفعل أو الحرف، فأتى بالنون لتقع الكسرة عليها، ويبقى آخر الفعل على ما كان عليه.
ونُحرّر من هذا عبارة فنقولُ: لفظٌ تلزمه نون الِوقاية عندَ الإِضافة إلى الياءِ، فلم يكن اسماً كما لو جاء في غير التعجب، ولا يلزمُ عليه الحرف نحو مني وعني، لأنَّ الخلافَ ما وقع في كونِ هذا اللفظ اسماً أو فعلاً فلم يكن له هُنا مدخل فلا يناقض به. وإن شئت ذكرت دليلَ التَّقسيم فقلتَ ليس بحرفٍ بالاتفاق، ولا يجوزُ أن يكونَ اسماً، لأنّ الاسمَ لا تَلحقه نونُ الوقاية فلا تقولُ فلانٌ ضاربني، وهذه النُّون تَلحق لفظَ التَّعجُّب كقولك:
ما أعلمني، وهي من خَصائص الأفعال فثَبت أنَّه فعلٌ.
فإن قيل: قد دخلت هذه النُّون على الاسمِ في نحو قول الشاعر:
وليسَ حامِلُني إلا ابنُ حَمّالِ
وقالوا: قَطني، وقَدني وهما اسمان.
قيلَ: أمّا ((حامِلُني)) فمن الشَّاذِّ الذي لا يُعرّجُ عليه، وكأنّه حملَ اسمَ الفاعلِ على الفعلِ المضارع لما بَينهما من الشَّبه، ومثل ذلك يُحتمل في ضَرورة الشّعر. وأمَّا ((قَدني)) و ((قَطني)) فقد يقال: ((قَدِي)) و ((قَطِي)) ولا يجوزُ مثلُ ذلك في فعلِ التَّعجب.