يُعجبني فإنَّك لو أدخلتَ إنَّ المكسورة عليها ها هنا صَحَّ، فامتنَع من ذلك لئلاَّ يتوالي حرفَا توكيدٍ، ففي المَوضع الذي لا يَصِحُّ دخولُ المكسورةِ عَليها يصحُّ أن يكونَ مبتدأ يدلُّ على ذلك قوله تعالى: {إنَّ لَكَ ألاَّ تَجُوْعَ فِيْهَا وَلاَ تَعْرَى وَأَنَّك لاَ تَظْمَؤُ} فأجازوا في ((أنَّ)) الثانية الفتحَ والكسرَ بلا خلافٍ، وإنَّما جازَ الفتحُ، لأنَّ ((إنّ)) المكسورة لا تدخلُ عليها ها هنا، وهي في موضع الابتداء لأنَّ ((إنَّ)) الأولى قد ولِيَها الجار، و {ألاَّ تَجُوْعَ} في موضع نصب ب ((أن))، فعطفت المفتوحة على موضع {ألا تجوعَ} ونقول على هذا إنَّ لك أنَّك مكرمٌ، لأنَّك حُلتَ بين المفتوحة والمكسورة بالجارِّ فكذلك المَفتوحة بعدَ ((لولاَ)) لا يصحُّ أن تدخل عليها ((إن)) المكسورة فجاز أن يكونَ مبتدأً والذي يَدُلُّ على أنَّ ((لولا)) لا تعمل أنَّك لو عَطَفْتَ على اسمها اسماً لم تُؤكِّده ب ((لا)) النَّافية كقولك: لَولاَ زيدٌ وعمروُ لأَتيْتُكَ، ولا تقولُ: لولاَ زيدٌ ولا عمرو، وهم إنَّما حملوا الكلام على ((لم)) كأنَّه قالَ: لو لم يمنعني زيدٌ أَتيتك فجعلوا ((لا)) موضع لم كقولِه تَعالى: {فَلاَ اقْتَحَمَ العَقَبَةَ} أي لم يَقْتَحِمْ، ولو كانَ الأمرُ كما ذكرنا لجازَ توكيدُ المعطوفِ بلا، كما تقول: لَم يَقُمْ زَيدٌ ولا عَمْرو. واللَّه أعلمُ بالصَّوابِ.