الوَجْهُ الثاني: نُسلّم أنَّها مختصةٌ، ولكن ليس كل مختصٍّ عاملاً، ألاَ تَرَى أنَّ الألفَ واللاَّمَ مختصةٌ بالاسم ولا تَعمل وإنَّما العاملُ يفتقرُ إلى معنىً غيرِ الاختصاص وهو قوةُ شَبهه بالفعل، و ((لولا)) لَيْسَتْ كذلك، لأنَّ معناها يَرتبط بالجوابِ، فهي ك ((لو)) تَخْتَصُّ بالأفعالِ ولا يعملُ فيها والسِين وسوفَ كذلك، وإذا وقع الاسمُ بعد ((لو)) قدر له فعل بعد ((لو)) يعملُ في الاسمِ ولا يصحُّ مثل ذلك في قولهم أن ((لولا)) معناها مَنَعَنِيْ، لا يَصِحُّ لِوَجْهَيْنِ:
أَوَّلهُمَا: أنَّ هذا التَّقدير يُبْطِلُ معنى ((لَولا))، لأنَّ معناها تَعليقُ شيءٍ بشيءٍ فلها جوابٌ والفعلُ لا يعلّق ولا جوابَ له.
والثَّاني أنَّ الحروفَ لو عملتْ بمعناها لعملتْ ((ما)) النَّافية النَّصبَ وكذلك حروف الاستفهام، لأنَّ معناها أَنفى واستفهم وليسَ الأمرُ على ذلكَ وكان السببُ فيه أنَّ الحُروف وُضِعَتْ للاختصار، فلو عملتْ عمل الأفعالِ لبطلَ هذا المعنى، ولأنَّ الإِجماع منعقدٌ على أنَّ معنى [الحرف] في غيرهِ لا في نَفسِهِ، والفِعلُ معناه في نَفس، فلم تكن له قوَّةٌ العملِ في غَيره كعملِ ما له معنى في نَفسِهِ ووجب أن يُقتَصَر به على إثباتِ المَعنى في غيرهِ.
وأمَّا وقوعُ أنَّ المَفتوحة بعد ((لَولا)) فلا يمنعُ من كونِها مبتدأ، وإنَّما كان كذلك، لأنَّ إن وما عملت فيه يصح الإِخبار عنه بالفعل الواقع قبلها وكلُّ ما صحَّ الإِخبارُ عنه بما قَبله وجبَ أن يصحَّ الإِخبارُ عنه بما بعده؛ لأنَّ صحةَ الإِخبار لا تَختلف بالتَّقديمِ والتَّأخيرِ، وإنَّما امتنعَ كونُ المفتوحةِ مبتدأ في موضِع يصحُّ دخول ((إنَّ)) المكسورة عليها كقولك: إنَّ زيداً منطلقٌ