والوجهُ الثاني: أنّ كونَ الاسمِ أولاً مسنداً إليه، أصلٌ في الجملة فوجبَ أن يكون مرفوعاً بذلك، كالفاعل، فإنَّه ارتَفَعَ بالفعلِ لهذين الوصفين.

الوجهُ الثالثُ: أنَّ المبتدأ معمولٌ وكلُّ معمولٍ [له] من عاملٍ والعاملُ لا يخلو من أن يكونَ الابتداء كما ذكرنا أو واحداً ممَّا ذُكِرَ من المذاهب، وكلُّها ما عدا الأوَّل باطِلٌ.

أمَّا ما في النَّفسِ من مَعنى الإِسنادِ فهو مَعنى الابتداء كما ذَكرنا، وأمَّا نفسُ إسنادِ الخبرِ فغيرُ عاملٍ، لأنَّ حكم العامِل أن يكونَ قبلَ المعمولِ، وحكم أن يكونَ بعدَ المبتدأ، فهما يَتَنافيان.

وأمَّا التَّعرِّي من العوامِلِ فإنَّه غيرُ عاملٍ، لأنَّ ذلك عَدَمٌ، والعدمُ لا يَعمَلُ.

فإن قالوا: نحن لا نَجعله عاملاً، بل هو إمارةٌ على العامِل، قيلَ: يلزمُ من ذلك أن يكونَ العاملُ موجوداً مدلولاً عليه، فإن أرادوا بذلك أن تَعرِّيه من العوامل إمارةٌ على الابتداء فهو ما ذكرناه، فإنَّه لا يَتَعَرَّى منها إلاَّ وهو أوَّلٌ مُقتضٍ لثانٍ، فالتَّعرِّي شَرطٌ يُحقِّق الابتداء الذي هو العامِلُ، كالحَياةِ فإنَّها شَرطٌ لِتُحقّق العِلم، ولَيست العلَّةَ في وُجودِ العِلْمِ.

وأمَّا رَفعُ كلِّ واحدٍ منهما بالآخرِ، فلا يَصحُّ لوَجهين:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015