أحدُها: أنَّ الحركة مقدَّرة على هذه الحروف ولكنْ حركةٌ لا تظهر بخلاف ألف المقصور فجعل النون عوضاً من ظُهورِ الحركةِ المقدَّرةِ إذ كانت لا تظهرُ في موضعٍ مَّا ولكن الدَّليلَ يَقْتَضِي تَقديرَها، إذ كانت هذه حروفَ إعرابٍ، وحروفُ الإِعرابِ لا تعرى عن الإِعراب لفظاً أو تقديراً.
والوجهُ الثاني: أنَّ هذه الحروف مستحقّة للحركة وإن لم تقدَّر، فالنون عوضٌ من استحقاق لفظ الحركة، وبين استحقاق الحركة ولفظها فرقٌ ظاهرٌ، ألا تَرى أنَّ قولَك: ((دارٌ)) و ((مالً)) الألف مستحقّة للفتحة لأنَّ وزنَ الكلمةِ ((فعل)) تعذَّرت حركتها ولمّا صارت إلى السكون ثبت لها حكم. الساكن ولم يُنظر إلى استِحقاقها الحركة حتَّى لو سَمَّيتَ امرأةً ب ((دار)) جوَّزت صَرفَهُ كما يجوزُ صرفُ ((هند)) ولو كان استحقاقُ الحركةِ بمنزلةِ لفظِ الحركةِ لَم تَصْرِفْهُ.
والثَّالثُ: أنَّ الأَلف تَدُلُّ على التَّثنية وعلى الإِعرابِ، وهي حرفه فقد ضَعُفت دِلالتها على كلِّ واحدٍ من هذين، فَجُعلت النون مقوِّيةً لها.
أمَّا المقصورُ فتظهرُ حركته في التَّثنية فيعودُ إلى الأصل كالصَّحيحِ.
وأمَّا ثبوتُها مع الألفِ واللاَّمِ فجوابُه من وَجهين:
أحدهما: أنَّها إذا كانت عوضاً منهما وتعذَّر دلالتها على أَحدِهما لزواله، بَقِيَتْ دالَّةً على الآخرِ، ألا تَرَى أنَّ الواو في ((الزَّيدون)) تدلُّ على الجَمع وعلى العَلَمِ والعَلَمِيَّة ثمَّ ثَبتت في ((سُنون)) و ((قُلون)) و ((ثُبون)) فالواو هُنا تدلُّ على الجمع ولا تدلُّ على المعاني الأُخر، وهذا ك ((كان)) وأخواتها فإنَّها في الأصلِ دالَّةٌ على الحَدثِ والزَّمانِ، ثمَّ خُلعت دلالتها على الحَدث وبَقيت دِلالتها على الزَّمان.