مثلها، و"السَّنةُ القَمَريَّةُ" مُقَدَّرَةٌ بسير القَمَر، وهو أقرب إلى الضبطِ، واشتراكِ النَّاس في العلم به. وقَدَّرَ أحكمُ الحاكمين تنقلَهُما في منازلهما لمَا في ذلك من تمام الحكمة، ولُطْفِ التدبير؛ فإنَّ الشمس لو كانت تطلع وتغرب في موضعٍ واحدٍ لا تتعدَّاهُ لما وصل ضوءُها وشُعَاعُها إلى كثير من الجهات، فكان نَفْعُها يُفْقَدُ هناك، فجعل الله -سبحانه- طلوعَها دُوَلاً بين الأرض؛ لينال نفعُها وتأثيرُها البقاعَ، فلا يبقى موضعٌ (?) من المواضع التي يمكن أن تطلع عليها إلا أخذ بقسطه من نفعها.
واقتضى هذا التدبيرُ المُحْكَمُ أن وقع مقدار الليل والنَّهار على أربع وعشرين ساعةً، ويأخذ كل منهما (?) من صاحبه، ومنتهى كل منهما إذا امتدَّ خمس عَشْرَةَ ساعةً، فلو زاد مقدار النَّهار (?) على ذلك إلى خمسين ساعة- مثلاً- أو أكثر لاختلَّ نظام العالم، وفسَدَ أكثر الحيوان والنَّبَات، ولو نقص مقداره عن ذلك لاختَلَّ النِّظَام -أيضًا- وتعطَّلَت المصالح، ولو استويا دائمًا لما اختلفت فصول السَّنَة التي باختلافها مصالح العباد (?) والحيوان، فكان في هذا التقدير والتدبير المحكَم من الآيات والمصالح والمنافع ما يشهد بأنَّ ذلك من تقدير العزيز العليم.
ولهذا يذكر -سبحانه- هذا التقدير ويُضِيفُه إلى عِزَّته وعلمه، كما قال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)} [يس: 37 - 38].