أولئك الذين قاموا بما يجب عليهم في أنفسهم ولم يأمروا غيرهم به وإن كان أولئك لم يكونوا من الذين خسروا أنفسهم وأهليهم فمطلق الخسار شيء والخسار المطلق شيء وهو سبحانه إنما قال {إن الإنسان لفي خسر} ومن ربح في سلعة وخسر في غيرها قد يطلق عليه أنه في خسر وأنه ذو خسر كما قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لقد فرطنا في قراريط كثيرة فهذا نوع تفريط وهو نوع خسر بالنسبة إلى من حصل ربح ذلك

ولما قال في سورة والتين {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} قال {إِلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فقسم الناس إلى هذين القسمين فقط ولما كان الإنسان له قوتان قوة العلم وقوة العمل وله حالتان حالة يأتمر فيها بأمر غيره وحالة يأمر فيها غيره استثنى سبحانه من كمل قوته العلمية بالإيمان وقوته العملية بالعمل الصالح وإنقاد لأمر غيره له بذلك وأمر غيره به من الانسان الذي هو في خسر فإن العبد له حالتان حالة كمال في نفسه وحالة تكميل لغيره وكماله وتكميله موقوف على أمرين علم بالحق وصبر عليه فتضمنت الآية جميع مراتب الكمال الانساني من العلم النافع والعمل الصالح والاحسان إلى نفسه بذلك وإلى أخيه به وانقياده وقبوله لمن يأمره بذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015