وفي الحديث بيان أن من الناس من خلق للسعادة ومنهم من خلق للشقاوة خلافاً لمن زعم أنهم كلهم خلقوا للسعادة ولكن اختاروا الشقاوة ولم يخلقوا لها وفيه إثبات الأسباب وأن العبد ميسر للأسباب الموصلة له إلى ما خلق له وفيه دليل على اشتقاق السنة من الكتاب ومطابقتها له فتأمل قوله صلى الله عليه وسلم "إعملوا فكل ميسر لما خلق له" ومطابقته لقوله تعالى {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} إلى آخر الآيتين كيف انتظم الشرع والقدر والسبب والمسبب

وهذا الذي أرشد إليه النبي هو الذي فطر الله عليه عباده بل الحيوان البهيم بل مصالح الدنيا وعمارتها بذلك فلو قال كل أحد إن قدر لي كذا وكذا فلا بد أن أناله وإن لم يقدر فلا سبيل إلى نيله فلا أسعى ولا أتحرك لعد من السفهاء الجهال ولم يمكنه طرد ذلك أبداً وإن أتى به في أمر معين فهل يمكنه أن يطرد ذلك في مصالحه جميعها من طعامه وشرابه ولباسه ومسكنه وهروبه مما يضاد بقاءه وينافي مصالحه أم يجد نفسه غير منفكة ألبتة عن قول النبي إعملوا فكل ميسر لما خلق له فإذا كان هذا في مصالح الدنيا وأسباب منافعها فما الموجب لتعطيله في مصالح الآخرة وأسباب السعادة والفلاح فيها ورب الدنيا والآخرة واحد فكيف يعطل ذلك في شرع الرب وأمره ونهيه ويستعمل في إرادة العبد وأغراضه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015