ثم قرر سبحانه بعد هذا القسم أمر المعاد ونبوة موسى المستلزمة لنبوة محمد إذ من المحال أن يكون موسى نبياً ومحمد ليس نبياً مع أن ما يثبت نبوة موسى فلمحمد نظيره أو أعظم منه وقرر سبحانه تكليمه لموسى بندائه له بنفسه فقال {إِذْ نَادَاهُ رَبُّه} فأثبت المستلزم للكلام والتكليم وفي موضع آخر أثبت النجاء والنداء والنجاء نوع من التكليم ومحال ثبوت النوع بدون الجنس
ثم أمره أن يخاطبه بألين خطاب فيقول له {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} ففي هذا من لطف الخطاب ولينه وجوه
أحدهما إخراج الكلام مخرج العرض ولم يخرجه مخرج الأمر والإلزام وهو ألطف ونظيره قول إبراهيم لضيفه المكرمين {أَلا تَأْكُلُونَ} ولم يقل كلوا الثاني قوله إلى أن تزكى والتزكي النماء والطهارة والبركة والزيادة فعرض عليه أمراً يقبله كل عاقل ولا يرده إلا كل أحمق جاهل الثالث قوله تزكى ولم يقل أزكيك فأضاف التزكية إلى نفسه وعلى هذا يخاطب الملوك الرابع قوله وأهديك أي أكون دليلاً لك وهادياً بين يديك فنسب الهداية إليه والتزكي إلى المخاطب أي أكون دليلاً لك وهادياً فتزكى أنت كما تقول للرجل هل لك أن أدلك على كنز تأخذ منه ما شئت وهذا أحسن من قوله أعطيك الخامس قوله إلى ربك فإن في هذا ما يوجب قبول ما دل عليه وهو أنه يدعوه ويوصله إلى ربه فاطره