سَائِلٌ أَغْلَظْتَ لَهُ فِي مَقَالِكَ، فَإِنْ أَعْطَيْتَهُ فَحَقِيرًا يَسِيرًا مِنْ رَدِيءِ مَالِكَ إِلَى كَمْ تَتْعَبُ فِي جَمْعِ الْحُطَامِ وَتَشْقَى، وَتُؤْثِرُ مَا يَفْنَى عَلَى مَا يَبْقَى:

(يَحْصِي الْفَتَى مَا كَانَ مِنْ نَفَقَاتِهِ ... وَيُضَيِّعُ مِنْ أَنْفَاسِهِ مَا أَنْفَقَا)

(لَمْ يَعْتَصِمْ مَلِكٌ يُشَيِّدُ مُلْكَهُ ... حِصْنًا يُغَرُّ بِهِ وَيَحْفِرُ خَنْدَقَا)

(وَكَأَنَّمَا دُنْيَا ابْنِ آدَمَ عُرْسُهُ ... أَخَذَتْ جَمِيعَ تُرَاثِهِ إِذْ طَلَّقَا)

السجع عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تنفقوا مما تحبون} .

عِبَادَ اللَّهِ: إِلَى مَتَى تَجْمَعُونَ مَا لا تَأْكُلُونَ، وَتَبْنُونَ مَا لا تَسْكُنُونَ وَالْجَيِّدُ فِي بُيُوتِكُمْ تَدَّخِرُونَ، وَالرَّدِيءُ إِلَى الْفَقِيرِ تُخْرِجُونَ {لَنْ تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} .

حَرِّكُوا هِمَمَكُمْ إِلَى الْخَيْرِ وَأَزْعِجُوا، وَحُثُّوا عَزَائِمَكُمْ إِلَى الْجِدِّ وَأَدْلِجُوا، وَالْتَفِتُوا عَنِ الْحِرْصِ عَلَى الْمَالِ وَعَرِّجُوا، وَآثِرُوا الْفَقِيرَ بِمَا تُؤْثِرُونَ.

وَيْحَكُمْ! السَّيْرُ حَثِيثٌ، وَلا مُنْجِدَ لَكُمْ وَلا مُغِيثَ، فَبَادِرُوا بِالصَّدَقَةِ الْمَوَارِيثَ، {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تنفقون} كَمْ قَطَعَتِ الآمَالُ بَتًّا، كَمْ مُصَيِّفٍ مَا أَرْبَعَ وَلا شَتَّى، كَمْ عَازِمٍ عَلَى إِخْرَاجِ الْمَالِ مَا تَأَتَّى، سَبَقَتْهُ الْمَنُونُ {لَنْ تَنَالُوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} . يَا حَرِيصًا مَا يَسْتَقِرُّ، يَا طَالِبًا لِلدُّنْيَا مَا يَقَرُّ، إِنْ كُنْتَ تُصَدِّقُ بِالثَّوَابِ فَتَصَدَّقْ فِي السِّرِّ بِالْمَحْبُوبِ الْمَصُونِ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حتى تنفقوا مما تحبون} .

يَا بَخِيلا بِالْفَتِيلِ شَحِيحًا بِالنَّقِيرِ، يَا صَرِيعًا بِالْهَوَى إِلَى مَتَى عَقِيرٌ، تَخْتَارُ لِنَفْسِكَ الأَجْوَدَ وَلِرَبِّكَ الْحَقِيرَ، مَا لا يَصْلُحُ لَكَ مِنَ الشَّيْءِ تُعْطِيهِ الْفَقِيرَ، فَمَا تَخْتَارُ لَنَا كَذَا يَكُونُ.

اكْتِسَابُكَ عَلَى أَغْرَاضِكَ أَنْفَقْتَ، أَمْرَجْتَ نَفْسَكَ فِي الشَّهَوَاتِ وَأَطْلَقْتَ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015