إِذَا اسْتَوْطَنْتَ السَّلامَةَ فَتَذَكَّرِ الْعَطَبَ، وَإِذَا طَابَ لَكَ الأَمْنُ فَتَفَكَّرْ فِي الْمَخَاوِفِ، وَإِذَا لَذَّتْ لَكَ الْعَافِيَةُ فَلا تَنْسَ قُرْبَ السَّقَمِ، وَإِنْ كنت محبا لنفسك فلا تسىء إِلَيْهَا بِالزَّلَلِ، إِنَّ طَالِبَ الدُّنْيَا لا يَنَالُ مِنْهَا حَظًّا إِلا بِفَوْتِ نَصِيبٍ مِنَ الآخِرَةِ.
هَلِ الْعُمْرُ إِلا ثَلاثَةُ أَيَّامٍ: يَوْمٌ انْقَضَى بما فيه ذهبت لذته وبقيت ضعفته، وَيَوْمٌ مُنْتَظَرٌ لَيْسَ مِنْهُ إِلا الأَمَلُ، وَيَوْمٌ أَنْتَ فِيهِ قَدْ صَاحَ بِكَ مُؤَذِّنًا بِالرَّحِيلِ فَاصْبِرْ فِيهِ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الصَّبْرَ إِذَا وَصَلَ إِلَى الْمَحْبُوبِ سَهُلَ.
{سلام هي حتى مطلع الفجر} إِخْوَانِي: إِنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ قَدْ قَرُبَ رَحِيلُهُ وَأَزِفَ تَحْوِيلُهُ، وَهُوَ ذَاهِبٌ عَنْكُمْ بِأَفْعَالِكُمْ وَقَادِمٌ عَلَيْكُمْ غَدًا بِأَعْمَالِكُمْ، فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَاذَا أَوْدَعْتُمُوهُ وَبِأَيِّ الأَعْمَالِ وَدَّعْتُمُوهُ؟
أَتُرَاهُ يَرْحَلُ حَامِدًا صَنِيعَكُمْ أَوْ ذَامًّا تَضْيِيعَكُمْ؟ مَا كَانَ أَعْظَمَ بركات ساعاته، وما كان أحلى جَمِيعَ طَاعَاتِهِ، كَانَتْ لَيَالِي عِتْقٍ وَمُبَاهَاةٍ، وَأَوْقَاتُهُ أَوْقَاتَ خَدَمٍ وَمُنَاجَاةٍ، وَنَهَارُهُ زَمَانَ قُرْبَةٍ وَمُصَافَاةٍ، وساعاته أحيان اجتهاد وَمُعَانَاةً، فَبَادِرُوا الْبَقِيَّةَ بِالتُّقْيَةِ قَبْلَ فَوَاتِ الْبِرِّ وَنُزُولِ الْبَرِّيَّةِ وَتَخَلَّى عَنْكَ جَمِيعُ الْبَرِيَةِ.
أَيْنَ الْمُخْلِصُ الْمُتَعَبِّدُ، أَيْنَ الرَّاهِبُ الْمُتَزَهِّدُ، أَيْنَ الْمُنْقَطِعُ الْمُتَفَرِّدُ، أَيْنَ الْعَامِلُ الْمُجَوِّدُ، هَيْهَاتَ بَقِي عَبْدُ الدُّنْيَا وَمَاتَ السَّيِّدُ، وَهَلَكَ مَنْ خَطَؤُهُ خَطَأٌ وَعَاشَ الْمُتَعَمِّدُ، وَصَارَ مَكَانَ الْخَاشِعِينَ كُلُّ مُنَافِقٍ مُتَمَرِّدٌ، رَحَلَ عَنْكَ شَهْرُ الصِّيَامِ، وَوَدَّعَكَ زَمَانُ الْقِيَامِ، وَلَحَّ النَّصِيحُ وَقَدْ لامَ، أَفَتُشْرِقُ شَمْسُ الإِيقَاظِ وَتَنَامُ، فَاسْتَدْرِكْ مَا قَدْ بَقِيَ مِنَ الأَيَّامِ، قَدْ رَأَيْتُكَ تَوَانَيْتَ فِي الأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فَمَا بَعْدَ أَنْ دَنَا الصَّبَاحُ.