المجلس الثامن والعشرون
فِي فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي أَحْكَمَ بِحِكْمَتِهِ مَا فَطَرَ وَبَنَى وَقَرُبَ مِنْ خَلْقِهِ بِرَحْمَتِهِ وَدَنَا , وَرَضِيَ الشُّكْرَ مِنْ بَرِّيَّتِهِ لِنِعْمَتِهِ ثَمَنًا , وَأَمَرَنَا بِخِدْمَتِهِ لا لِحَاجَتِهِ بَلْ لَنَا , يَغْفِرُ الْخَطَايَا لِمَنْ أَسَا وَجَنَا , وَيُجْزِلُ الْعَطَايَا لِمَنْ كَانَ مُحْسِنًا , بَيَّنَ لِقَاصِدِيهِ سَبِيلا , وَسُنَنًا وَوَهَبَ لِعَابِدِيهِ جَزِيلا يُقْتَنَى , وَأَثَابَ حَامِدِيهِ أَلَذَّ مَا يُجْتَنَى {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} .
أَحْمَدُهُ مُسِرًّا لِلْحَمْدِ وَمُعْلِنًا , وَأُصَلِّي عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ أَشْرَفِ مَنْ تَرَدَّدَ بَيْنَ جَمْعٍ وَمِنًى , وَعَلَى صَاحِبِهِ أَبِي بَكْرٍ الْمُتَخَلِّلِ بِالْعَبَا رَاضِيًا بالعنا , وهو الذي أراد بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَعَنَى {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا في الغار إذ قول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} وَعَلَى عُمَرَ الْمُجِدِّ فِي عِمَارَةِ الإِسْلامِ فَمَا وَنَى , وَعَلَى عُثْمَانَ الرَّاضِي بِالْقَدَرِ وَقَدْ دَخَلَ بِالْفِنَاءِ الْفَنَا , وَعَلَى عَلِيٍّ الَّذِي إِذَا بَالَغْنَا فِي مَدْحِهِ فَالْفَخْرُ لَنَا , وَعَلَى عَمِّهِ الْعَبَّاسِ الَّذِي أَسَّسَ اللَّهُ قَاعِدَةَ الْخِلافَةِ لِبَنِيهِ وَبَنَى.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله} إِلا تَنْصُرُوهُ بِالنَّفِيرِ مَعَهُ {فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} أي أعانه على أعدائه {إذا أخرجه الذين كفروا} أَيِ اضْطَرُّوهُ إِلَى الْخُرُوجِ بِقَصْدِهِمْ إِهْلاكَهُ {ثَانِيَ اثنين} قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ أَحَدَ اثْنَيْنِ , أَيْ نَصَرَهُ مُنْفَرِدًا إِلا مِنْ أَبِي بَكْرٍ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّعْبِيِّ: عَاتَبَ اللَّهُ أَهْلَ الأَرْضِ جَمِيعًا فِي هَذِهِ الآيَةِ غَيْرَ أبي بكر.