(أَلا يَا دَارُ لا يَدْخُلْكِ حُزْنٌ ... وَلا يَغْدِرْ بِصَاحِبِكَ الزَّمَانُ)

قَالَ: ثُمَّ مَرَرْتُ بِالدَّارِ فَإِذَا الْبَابُ مَسْدُودٌ وَقَدْ عَلَتْهُ وَحْشَةٌ , فَقُلْتُ مَا شَأْنُهُمْ؟ قَالُوا: مَاتَ سَيِّدُهُمْ , مَاتَ رَبُّ الدَّارِ , فَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ مِنْ هَاهُنَا صَوْتَ جَارِيَةٍ تَقُولُ:

أَلا يَا دَارُ لا يَدْخُلْكِ حُزْنٌ. فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الدَّارِ وَبَكَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُغَيِّرُ

وَلا يَتَغَيَّرُ وَالْمَوْتُ غَايَةُ كُلِّ مَخْلُوقٍ. فَرَجَعْتُ مِنْ عِنْدِهِمْ بَاكِيًا [حَزِينًا] .

قَالَ الْقُرَشِيُّ: وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَهْدِيُّ , قَالَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ قَيْسٍ , قَالَ: دخلت ابنة النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهَا: أَخْبِرِينِي عَنْ حَالِكُمْ كَيْفَ كَانَ؟ قَالَتْ: أُطِيلُ أَمْ أُقْصِرُ. قَالَ: لا بَلْ أَقْصِرِي. قَالَتْ: أَمْسَيْنَا مَسَاءً وَلَيْسَ فِي الْعَرَبِ أَحَدٌ إِلا وَهُوَ يَرْغَبُ إِلَيْنَا وَيَرْهَبُ مِنَّا , فَأَصْبَحْنَا صَبَاحًا وَلَيْسَ فِي الْعَرَبِ أَحَدٌ إِلا وَنَحْنُ نَرْغَبُ إِلَيْهِ وَنَرْهَبُ مِنْهُ. ثُمَّ قَالَتْ:

(بَيْنَا نَسُوسُ الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة ليس ننصف)

(فأف لدنيا لا يدوم نعيمها ... نقلب تَارَاتٍ بِنَا وَتُصَرِّفُ)

قَالَ الْقُرَشِيُّ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ , قَالَ حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ , قال حدثنا كثير ابن سَعِيدٍ السُّلَمِيُّ , عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَعْرَسَ رَجُلٌ مِنَ الْحَيِّ عَلَى ابْنَةِ عَمِّهِ فَاتَّخَذُوا لِذَلِكَ لهواً , وكانت منازلهم إلى جانب المقابر , فبيناهم فِي لَهْوِهِمْ ذَلِكَ لَيْلا إِذْ سَمِعُوا صَوْتًا أَفْزَعَهُمْ فَأَصْغَوْا إِلَيْهِ فَإِذَا بِهَاتِفٍ يَهْتِفُ مِنْ بَيْنِ الْقُبُورِ:

(يَا أَهْلَ لَذَّةِ دُنْيَا لا تَدُومُ لَهُمْ ... إِنَّ الْمَنَايَا تُبِيدُ اللَّهْوَ وَاللَّعِبَا)

(كَمْ مَنْ رَأَيْنَاهُ مَسْرُورًا بِلَذَّتِهِ ... أَمْسَى فَرِيدًا مِنَ الأَهْلِينَ مُغْتَرِبَا)

قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا لَبِثْنَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلا أَيَّامًا حَتَّى مَاتَ الْفَتَى المتزوج.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015