مُجَاهِدٌ: وَكَانَ مَوْضِعُهُ بَعْدَ الْغَرَقِ أَكَمَةً حَمْرَاءَ لا تَعْلُوهَا السُّيُولُ وَكَانَ يَأْتِيهَا الْمَظْلُومُ وَيَدْعُو عِنْدَهَا الْمَكْرُوبُ.
قَالَ عُلَمَاءُ السِّيَرِ: لَمَّا سَلِمَ الْخَلِيلُ مِنَ النَّارِ خَرَجَ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مُهَاجِرًا , فَتَزَوَّجَ سَارَّةَ بِحَرَّانَ , وَقَدِمَ مِصْرَ وَبِهَا فِرْعَوْنُ مِنَ الْفَرَاعِنَةِ , فَوُصِفَ لَهُ حُسْنُهَا فَبَعَثَ
فَأَخَذَهَا , فَلَمَّا دَخَلَتْ قَامَ إِلَيْهَا فَقَامَتْ تصلي وتقول: اللهم إني آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلا عَلَى زَوْجِي , فَلا تُسَلِّطْ عَلَيَّ الْكَافِرَ. فَغَطَّ حَتَّى رَكَضَ الأَرْضَ بِرِجْلِهِ فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ إِنْ يَمُتْ يُقَالُ هِيَ الَّتِي قَتَلَتْهُ. فَأَرْسِلْ. ثُمَّ قَامَ إِلَيْهَا فَدَعَتْ فَغَطَّ حَتَّى رَكَضَ الأَرْضَ بِرِجْلِهِ , ثُمَّ أَرْسَلَ فَقَالَ: رُدُّوهَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَعْطُوهَا هَاجَرَ.
فَوَهَبَتْهَا لإِبْرَاهِيمَ وَقَالَتْ: لَعَلَّهُ يَأْتِيكَ مِنْهَا وَلَدٌ , وَكَانَتْ سَارَّةُ قَدْ مُنِعَتِ الْوَلَدَ , فَوَلَدَتْ لَهُ إِسْمَاعِيلَ فَهُوَ بِكْرُ أَبِيهِ , وُلِدَ لَهُ وَهُوَ ابْنُ تِسْعِينَ سَنَةً. فَلَمَّا وَلَدَتْ غَارَتْ سَارَّةُ وَأَخْرَجَتْهَا , وَحَلَفَتْ لَتَقْطَعَنَّ مِنْهَا بَضْعَةً. فَحَفِظَتْهَا ثُمَّ قَالَتْ: لا تُسَاكِنَنِّي فِي بَلَدِي.
فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ مَكَّةَ , فَذَهَبَ بِهَا وَبِابْنِهَا , وَالْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ رَبْوَةٌ حَمْرَاءُ فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ أَهُنَا أُمِرْتُ أَنْ أَضَعَهُمَا؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَنْزَلَهُمَا مَوْضِعَ الْحَجَرِ وَأَمَرَ هَاجَرَ أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِ عَرِيشًا.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ , قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ الدَّاوُدِيُّ , قَالَ أَنْبَأَنَا ابْنُ أَعْيَنَ السَّرَخْسِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعُزَيْزِيُّ , حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ , حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ , حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ , عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ , وَكَثِيرِ بْنِ كَثِيرٍ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ , يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرَ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَوَّلُ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَةَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ , اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لِتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَّةَ. ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ , وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ , وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ , فَوَضَعَهُمَا هُنَاكَ , وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءٌ فِيهِ مَاءٌ , ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا , فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إبراهيم أين