قَالَ: فَقَامَ يُسَيْر وَقَامَ مَعَهُ أُنَاسٌ مِنْ إِخْوَانِهِ حَتَّى أَتَوْا حَيَّه فَأَعْلَمَهُمْ أنَّه هُوَ الَّذِي كَسَاهُ هَاتَيْنِ الحُلَّتَيْن، وَأَوْصَاهُمْ بِهِ ثُمَّ انْصَرَفَ.
قَالَ: فَذَكَرَ يُسَيْر يَوْمًا الحجَّ فحضَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ أُوَيْسٌ: لَوْ كَانَ عِنْدِي زَادٌ وَرَاحِلَةٌ لحججتُ، قَالَ: فَقَالَ رجلٌ عِنْدِي رَاحِلَةٌ، وَقَالَ آخَرُ: عِنْدِي زادٌ. قَالَ: فحجَّ فمرَّ بالْمَدِيْنَة، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِمَّا يَبْرُزُ مِنَ الْمَدِيْنَة هُوَ وَأَصْحَابُهُ، قَالَ: فمرَّ أويسٌ قَرِيبًا مِنْ مَجْلِسِ عُمَرَ، فَسَقَطَ زِمَامُ رَاحِلَتِهِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَلا أَحَدٌ يُنَاوِلَ هَذَا الرَّجُلَ زِمَامِ رَاحِلَتِهِ؟ فَتَثَاقَلَ الْقَوْمُ، قَالَ: فَقَامَ عُمَرُ حَتَّى أَخَذَ الْخِطَامَ فَنَاوَلَهُ، فَلَمَّا (أَنْ رَفَعَ أويسٌ يَدَهُ وَرَأَى بِهِ الْعَلامَةَ فَعَرَفَهُ، فَقَالَ له: مَنْ أنت؟ قال: أخبرنا أويسٌ، قَالَ: ممَّن؟ قَالَ: مِن مَذْحِجٍ، قَالَ: ثُمَّ مِمَّنْ؟ قَالَ: مِنْ مُرَادٍ، قَالَ: ثُمَّ مِمَّنْ؟ قَالَ: مِنْ قَرَن، قَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؛ أَنَا أَسْتَغْفِرُ لَكَ؟! وَأَنْتَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَنْتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنْتَ مِنْ أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!
قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "خَيْرُ التَّابِعِينَ: أُوَيْس القَرَني، وَمِنْ عَلامَتِهِ: أَنْ يَكُونَ بِهِ بَيَاضٌ فَيَدْعُو اللَّهَ فَيُذْهِبُهُ عَنْهُ إِلا مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّرْهَمِ بِكُشْحِهِ، تَرَكَهُ اللَّهُ تَذْكِرَةً، فَإِذَا لَقِيتَهُ فَسْأَلْهُ يَسْتَغْفِرْ لَكَ يَا عُمَرُ.
قَالَ: فَدَعَا اللَّهَ لِعُمَرَ، وَاسْتَغَفَرَ لَهُ، ثُمَّ مَضَى لِوَجْهِهِ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حجَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: وحجَّ ذَلِكَ الْفَتَى الَّذِي كَانَ يُؤْذِيهِ فَنَادَى عُمَرُ: مَنْ ها هنا مِنْ أهل الكوفة؟ مَن ها هنا مِن مراد؟ مَن ها هنا مِنْ قَرَن؟ فَقَالَ الْفَتَى: أَنَا يا أمي